للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشريعةٌ، وليس تغيير عبَدَة (١) الأوثان لدين إبراهيم وشريعته بأعظم من تغيير المجوس لدين نبيِّهم وكتابهم لو صحَّ، فإنَّه لا يُعرَف عنهم التَّمسُّك بشيءٍ من شرائع الأنبياء، بخلاف العرب، فكيف يُجعَل المجوس الذين دينهم أقبح الأديان أحسنَ حالًا من مشركي العرب. وهذا القول أصحُّ في الدَّليل كما ترى.

وفرَّقت طائفةٌ ثالثةٌ بين العرب وغيرهم، فقالوا: تؤخذ من كلِّ كافرٍ إلا مشركي العرب.

ورابعةٌ: فرَّقت بين قريشٍ وغيرهم، وهذا لا معنى له، فإنَّ قريشًا لم يبق فيهم كافرٌ يحتاج إلى قتاله وأخذ الجزية منه البتَّة، وقد كتب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل هجر، وإلى المنذر بن ساوى، وإلى ملوك الطَّوائف يدعوهم إلى الإسلام أو الجزية، ولم يفرِّق بين عربيٍّ ولا غيره.

وأمَّا حكمه في قَدْرِها، فإنَّه بعث معاذًا إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كلِّ حالمٍ دينارًا أو قيمته مَعَافر (٢)،

وهي ثيابٌ معروفةٌ باليمن. ثمَّ زاد فيها عمر


(١) ن: «هذه».
(٢) أخرجه أبو داود (١٥٧٦، ٣٠٣٨)، والترمذي (٦٢٣)، والنسائي (٢٤٥٠)، وابن ماجه (١٨٠٣) من حديث معاذ - رضي الله عنه - ، وقد اختلف في وصله وإرساله، والمحفوظ وصلُه من طريق أبي وائل عن مسروق عن معاذ. ينظر «العلل» للدارقطني: (٦/ ٦٨).

وفي سماع مسروق من معاذ خلاف؛ لم يثبته عبد الحق في «أحكامه»، وقال الحافظ في «الفتح»: (٣/ ٣٢٤): «في الحكم بصحته نظر»! والجمهور على اتصاله؛ منهم ابن المديني، وابن بطال، وابن حزم ــ آخر قوليه ــ، وابن عبد البر، وابن القطان، والصنعاني، وقد حسنه الترمذي، ورجَّح المرسل عليه. وكذا أخرجه ابن الجارود (٣٤٣)، وابن خزيمة (٢٢٦٨)، وابن حبان (٤٨٨٦)، والحاكم: (١/ ٣٩٨). ينظر «التمهيد»: (٢/ ٢٧٥)، و «المحلّى»: (٤/ ١٠٠)، و «نصب الراية»: (٢/ ٣٤٦)، و «التلخيص»: (٤/ ٣١٣). وقد روي من طرق أخرى عن معاذ، وكلها منقطعة، وصحح الشافعي والبيهقي منها طريق طاوس عنه. وفي الباب عن ابن مسعود، وابن عباس، وأنس، وعمرو بن حزم، ولا تخلو من مقال. انظر «البدر المنير»: (٥/ ٤٢٦ - ٤٣٦، ٩/ ١٨٤)، «صحيح أبي داود - الأم» (١٤٠٨).