للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأصل في أوامره أن تكون للوجوب ما لم يقم إجماعٌ على خلافه.

وأمَّا موافقته لنهيه، فلقوله: «لا تُنكَح البكر حتَّى تستأذن» فأمَرَ ونهى، وحَكَم بالتَّخيير، وهذا إثباتٌ للحكم بأبلغ الطُّرق.

وأمَّا موافقته لقواعد شرعه، فإنَّ البكر العاقلة البالغة (١) الرَّشيدة لا يتصرَّف أبوها في أقلِّ شيءٍ من مالها إلا برضاها، ولا يجبرها على إخراج اليسير منه بدون رضاها، فكيف يجوز أن يرقَّها، ويخرج بُضْعها منها بغير رضاها إلى من يريده هو، وهي مِن أكره النَّاس فيه، وهو من أبغضِ شيءٍ إليها؟ ومع هذا فينكحها إيَّاه (٢) قهرًا بغير رضاها (٣)، ويجعلها أسيرةً عنده، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقوا الله في النِّساء، فإنَّهنَّ عوانٍ عندكم» (٤) أي: أسرى. ومعلومٌ أنَّ إخراج مالها كلِّه بغير رضاها أسهل عليها من تزويجها بمن لا تختاره بغير رضاها. ولقد أبطلَ مَن قال: إنَّها إذا عيَّنت كفوًا تحبُّه، وعيَّن


(١) كذا في س، د، ي. وفي ز، ن: «البالغ العاقل»، وفي ب، ث: «البالغ العاقلة»، وفي المطبوع: «البالغة العاقلة».
(٢) في النسخ: «أما» ولا وجه لها، والمثبت من ط الهندية.
(٣) بعده في المطبوع: «إلى من يريده» ولا وجود لها في النسخ، والمعنى بدونها مستقيم.
(٤) أخرجه بهذا اللفظ أحمد في «المسند» (٢٠٦٩٥) من حديث أبي حُرَّة الرَّقاشي، عن عمه، وفيه علي بن زيد بن جُدعان وهو ضعيف، وأبو حرة وثقه أبو داود وضعَّفه غيره، ينظر «مجمع الزوائد»: (٣/ ٢٦٦). وأخرجه بنحوه الترمذي (١١٦٣، ٣٠٨٧)، وابن ماجه (١٨٥١)، من حديث عمرو بن الأحوص، وفي سنده مجهول، ويشهد له ما قبله، قال الترمذي: «حسن صحيح»، وهو عند مسلم (١٢١٨) من حديث جابر الطويل، دون قوله: «فإنهن عوان عندكم». ينظر: «الإرواء» (١٩٩٧، ٢٠٣٠، ٢١٥٦).