للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبوها كفوًا، فالعبرة بتعيينه ولو كان بغيضًا لها قبيحَ الخلقة.

وأمَّا موافقته لمصالح الأمَّة، فلا تخفى مصلحةُ البنت (١) في تزويجها بمن تختاره وترضاه، وحصول مقاصد النِّكاح لها به، وحصول ضدِّ ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه، فلو لم تأتِ السُّنَّة الصحيحة الصَّريحة بهذا القول لكان القياسُ الصَّحيح وقواعدُ الشَّريعة لا تقتضي غيرَه، وباللَّه التَّوفيق.

فإن قيل: فقد حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفرق بين البكر والثَّيِّب، وقال: «لا تُنْكَح الأيِّمُ حتَّى تستأمر، ولا تُنْكَح البكر حتَّى تُستأذن» (٢)، وقال: «الأيِّم أحقُّ بنفسها مِن وليِّها والبكر يستأذنها أبوها» (٣)، فجعل الأيِّمَ أحقَّ بنفسها من وليِّها، فعُلِم أنَّ وليَّ البكر أحقُّ بها من نفسها، وإلَّا لم يكن لتخصيص الأيِّم بذلك معنًى.

وأيضًا فإنَّه فرَّق بينهما في صفة الإذن، فجعل إذن الثَّيِّب النُّطق، وإذن البكر الصَّمت، وهذا كلُّه يدلُّ على عدم اعتبار رضاها، وأنَّها لا حقَّ لها مع أبيها.

فالجواب: أنَّه ليس في ذلك ما يدلُّ على جواز تزويجها بغير رضاها مع بلوغها وعقلها ورُشْدها، وأن يزوِّجها بأبغض الخلق إليها إذا كان كفؤًا، والأحاديث التي احتججتم بها صريحةٌ في إبطال هذا القول، وليس معكم أقوى من قوله: «الأيِّم أحقُّ بنفسها مِن وليِّها» وهذا إنَّما يدلُّ بطريق المفهوم،


(١) في ث، ب: «الثيّب».
(٢) سبق تخريجه عند الشيخين، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(٣) أخرجه مسلم (١٤٢١) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.