للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنازعوكم ينازعونكم في كونه حجَّةً، ولو سُلِّم أنَّه حجَّةٌ فلا يجوز تقديمه على المنطوق الصَّريح، وأيضًا فهذا إنَّما يدلُّ إذا قلت: إنَّ للمفهوم عمومًا، والصَّواب أنَّه لا عموم له، إذ دلالته ترجع إلى أنَّ التَّخصيص بالمذكور لا بدَّ له من فائدةٍ، وهي نفي الحكم عمَّا عداه، ومعلومٌ أنَّ انقسام ما عداه إلى ثابت الحكم ومنتفيه فائدةٌ، وأنَّ إثبات حكمٍ آخر للمسكوت عنه فائدةٌ وإن لم يكن ضدَّ حكم المنطوق، وأنَّ تفصيله فائدةٌ، كيف وهذا مفهومٌ مخالفٌ للقياس الصَّريح، بل قياس الأولى كما تقدَّم، ويخالف النُّصوص المذكورة؟

وتأمَّل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «والبكر يستأذنها أبوها» عقيب قوله: «الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها» قطعًا لتوهُّم هذا القول، وأنَّ البكر تُزَوَّج بغير رضاها ولا إذنها، ولا حقَّ لها في نفسها البتَّة، فوصل إحدى الجملتين بالأخرى دفعًا لهذا التَّوهُّم. ومن المعلوم أنَّه لا يلزم من كون الثَّيِّب أحقَّ بنفسها من وليِّها أن لا يكون للبكر في نفسها حقٌّ البتَّة.

وقد اختلف الفقهاء في مناط الإجبار على ستَّة أقوالٍ (١).

أحدها: أنَّه يجبر بالبكارة، وهو قول الشَّافعيِّ ومالك وأحمد في روايةٍ.

الثَّاني: أنَّه يجبر بالصِّغر، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد في الرِّواية الثَّانية.

الثَّالث: أنَّه يجبر بهما معًا، وهو الرِّواية الثَّالثة عن أحمد.

الرَّابع: أنَّه يجبر بأيِّهما وُجِد، وهو الرِّواية الرَّابعة عنه.


(١) ينظر «المغني»: (٩/ ٣٩٩)، و «نهاية المطلب»: (١٢/ ٤٢ - ٤٣)، و «روضة الطالبين»: (٧/ ٥٣ - ٥٤)، و «مجموع الفتاوى»: (٣٢/ ٢٢ - ٢٨)، و «عقد الجواهر الثمينة»: (٢/ ٨١ - ٨٢).