للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا ريب أنَّ أحاديث جابر صريحةٌ صحيحةٌ في جواز العزل، وقد قال الشَّافعيُّ (١): ونحن نروي عن عددٍ من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهم رخَّصوا في ذلك ولم يروا به بأسًا. قال البيهقي (٢): وقد رُوِّينا الرُّخصةَ فيه عن سعد بن أبي وقَّاصٍ وأبي أيُّوب الأنصاريِّ وزيد بن ثابتٍ وابن عبَّاسٍ وغيرهم (٣)، وهو مذهب مالك والشَّافعيِّ وأهل الكوفة وجمهور أهل العلم (٤).

وقد أجيب عن حديث جدامة بأنَّه على طريق التَّنزيه، وضعَّفته طائفةٌ، وقالت: كيف يصحُّ أن يكون النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كذَّب اليهودَ عن (٥) ذلك ثمَّ يخبر به كخبرهم؟! هذا مِن المُحال البيِّن.

وردَّت عليه طائفةٌ أخرى، وقالوا: حديث تكذيبهم فيه اضطرابٌ وحديث جدامة في «الصَّحيح».

وجمعت طائفةٌ أخرى بين الحديثين، وقالت: إنَّ اليهود كانت تقول: إنَّ العزل لا يكون معه حملٌ أصلًا، فكذَّبهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ويدلُّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لو أراد الله أن يخلقه لما استطعت أن تصرفه»، وقوله: «إنَّه الوأد الخفيُّ» فإنَّه وإن لم يمنع الحمل بالكلِّيَّة كترك الوطء فهو مؤثِّرٌ في تقليله.


(١) نقله البيهقي في «المعرفة»: (٥/ ٣٦٦).
(٢) في «معرفة السنن والآثار»: (٥/ ٣٦٦).
(٣) سبق تخريج الآثار الواردة عنهم.
(٤) ينظر «المغني»: (١٠/ ٢٢٨ - ٢٢٩)، و «الأم»: (٨/ ٤٣١)، و «البيان والتحصيل»: (١٨/ ١٥١).
(٥) كذا في جميع النسخ عدا ن: «على»، وفي ط الفقي والرسالة: «في».