للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خطَبَ النَّاسَ وقال: «ما بال أقوامٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب اللَّه، مَن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطلٌ، وإن كان مائة شرطٍ، قضاءُ (١) الله أحقُّ، وشَرْط الله أوثق، وإنَّما الولاء لمن أعتق». ثمَّ خيَّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أن تبقى على نكاح زوجها وبين أن تفسخه، فاختارت نفسَها، فقال لها: «إنَّه زوجكِ وأبو وَلدِكِ»، فقالت: يا رسول الله تأمرني بذلك؟ قال: «لا إنَّما أنا شافعٌ»، قالت: فلا حاجة لي فيه، وقال لها إذ خيَّرها: «إن قربك فلا خيار لك»، وأمرها أن تعتدَّ، وتُصُدِّق عليها بلحمٍ، فأكل منه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقال: «هو عليها صدقةٌ ولنا هديَّةٌ».

وكان في قصَّة بريرة من الفقه: جواز مُكاتبة المرأة، وجواز بيع المُكاتَب وإن لم يُعَجِّزه سيِّده، وهذا مذهب أحمد المشهور عنه، وعليه أكثر نصوصه. وقال في رواية أبي طالب: لا يطأ مكاتبته، ألا ترى أنَّه لا يقدر أن يبيعها. وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشَّافعيُّ (٢).

والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ عائشةَ على شرائها، وأهلَها على بيعها، ولم يسأل: أعجَزَتْ أم لا، ومجيئها تستعينُ في كتابتها لا يستلزم عجزَها، وليس في بيع المكاتب محذورٌ، فإنَّ بيعَه لا يبطلُ كتابتَه، فإنَّه يبقى عند المشتري كما كان عند البائع، إن أدَّى إليه عَتَق، وإن عَجَز عن الأداء فله أن يعيده إلى الرِّقِّ كما كان عند بائعه، فلو لم تأتِ السُّنَّة بجواز بيعه، لكان القياس يقتضيه.

وقد ادَّعى غيرُ واحدٍ الإجماعَ القديمَ على جواز بيع المكاتب. قالوا:


(١) ز، د، ب: «فقضاء».
(٢) ينظر «المغني»: (١٤/ ٥٣٥)، و «الأم»: (٥/ ٢٦٩)، و «نهاية المطلب»: (١٩/ ٤٤١)، و «بدائع الصنائع»: (٥/ ١٤١)، و «البيان والتحصيل»: (١٥/ ٢٣٨).