وأيضًا: فإنَّ بريرة لم تقل: عجَزْت، ولا قالت لها عائشة: أعَجَزْتِ؟ ولا اعترف أهلها بعجزها، ولا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعجزها، ولا وصفها به، ولا أخبر عنها البتَّة، فمن أين لكم هذا العجز الذي تعجزون عن إثباته؟!
وأيضًا: فإنَّها إنَّما قالت لعائشة: كاتبتُ أهلي على تسع أواقٍ في كلِّ سنةٍ أوقيَّةً، وإنِّي أحبُّ أن تعينيني، ولم تقل: لم أؤدِّ لهم (١) شيئًا، ولا مضت عليَّ نجومٌ عدَّةٌ عجَزْت عن الأداء فيها، ولا قالت: عجَّزني أهلي.
وأيضًا: فإنَّهم لو عجَّزوها لعادت في الرِّقِّ، ولم تكن حينئذٍ لتسعى في كتابتها وتستعين بعائشة على أمرٍ قد بطل.
فإن قيل: الذي يدلُّ على عجزها قولُ عائشة: إن أحبَّ أهلك أن أشتريك وأعتقك، ويكون ولاؤك لي فعلتُ. وقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لعائشة:«اشتريها فأعتقيها». وهذا يدلُّ على إنشاء عتقٍ من عائشة، وعتق المكاتب بالأداء لا بإنشاءٍ من السَّيِّد.
قيل: هذا هو الذي أوجب لهم القول ببطلان الكتابة.
قالوا: ومن المعلوم أنَّها لا تبطل إلا بعجز المكاتَب أو تعجيزه نفسَه، وحينئذٍ فيعود في الرِّقِّ، فإنَّما ورد البيع على رقيقٍ لا على مكاتبٍ.
وجواب هذا: أنَّ ترتيب العتق على الشِّراء لا يدلُّ على إنشائه، فإنَّه ترتيبٌ للمسبَّب على سببه، ولا سيَّما فإنَّ عائشة لمَّا أرادت أن تعجِّل كتابتها جملةً واحدةً كان هذا سببًا في إعتاقها، وقد قلتم أنتم: إنَّ قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: