للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إثباته بحدوث فِسْق الزَّوج (١).

وقال الشَّافعيُّ: إن حدَثَ بالزَّوج ثبت الخيار، وإن حدَثَ بالزَّوجة فعلى قولين (٢).

فأمَّا المأخذ الثَّاني: وهو أنَّ عِتْقها أوجبَ للزَّوج عليها ملك طلقةٍ ثالثةٍ فمأخذٌ ضعيفٌ جدًّا، فأيُّ مناسبةٍ بين ثبوت طلقةٍ ثالثةٍ، وبين ثبوت الخيار لها؟ وهل نصبَ الشَّارعُ مِلْك الطَّلقة الثَّالثة سببًا لملك الفسخ، وما يتوهَّم من أنَّها كانت تَبِين منه باثنتين فصارت لا تبين إلا بثلاثة ــ وهو زيادة إمساكٍ وحبسٍ لم يقتضه العقد ــ فاسدٌ، فإنَّه يملك أن لا يفارقها البتَّة، ويمسكها حتَّى يفرِّق الموت بينهما، والنِّكاح عقدٌ على مدَّة العمر، فهو يملك استدامة إمساكها، وعتقها لا يسلبه هذا الملك، فكيف يسلبه إيَّاه ملكه عليها طلقةً ثالثةً، هذا لو كان الطَّلاق معتبرًا بالنِّساء، فكيف والصَّحيح أنَّه معتبرٌ بمن هو بيده وإليه ومشروعٌ في جانبه؟!

وأمَّا المأخذ الثَّالث: وهو ملكها نفسها، فهو أرجح المآخذ وأقربها إلى أصول الشَّرع، وأبعدها من التَّناقض، وسِرُّ هذا المأخذ: أنَّ السَّيِّد عقد عليها بحكم الملك حيث كان مالكًا لرقبتها ومنافعها، والعتق يقتضي تمليك الرَّقبة والمنافع للمعْتَق، وهذا مقصودُ العتق وحكمتُه، فإذا ملكَتْ رقبتها ملكَتْ بُضْعها ومنافِعَها، ومن جملتها منافع البضع، فلا يملك عليها إلا باختيارها، فخيَّرها الشَّارع بين أن تقيم مع زوجها، وبين أن تفسخَ نكاحَه، إذ قد ملكَتْ


(١) ينظر «المغني»: (١٠/ ٦٠ - ٦١ و ٩٠)، و «الفروع»: (٨/ ٢٨٥)، و «الذخيرة»: (٥/ ١٠٧ - ١٠٨). والقاضي هو أبو يعلى الحنبلي.
(٢) ينظر «نهاية المطلب»: (١٢/ ٤٦٢ - ٤٦٣).