للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا قوله: «أرأيتَ إن عَجَز واستَحْمَق»، فيا سبحان الله أين البيان في هذا اللَّفظ بأنَّ تلك الطَّلقة حَسَبها عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ والأحكامُ لا تؤخذ بمثل هذا، ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حَسَبها عليه واعتدَّ عليه بها لم يَعْدِل عن الجواب بفعله وشرعه إلى: «أرأيت»، وكان ابن عمر أكره ما إليه أرأيت، فكيف يعدِل للسَّائل عن صريح السُّنَّة إلى لفظة «أرأيت» الدَّالَّة على نوعٍ من الرَّأي سببه عجز المطلِّق وحمقه عن إيقاع الطَّلاق على الوجه الذي أذن الله له فيه؟!

والأظهر فيما هذه صفتُه أنَّه لا يعتدُّ به، وأنَّه ساقطٌ مِن فِعْل فاعله، لأنَّه ليس في دين الله تعالى حكمٌ نافذٌ سببه العجزُ والحمقُ عن امتثال الأمر، إلا أن يكون فعلًا لا يمكن ردُّه، بخلاف العقود المحرَّمة التي مَن عَقَدها على الوجه المحرَّم، فقد عَجَز واستحمق، وحينئذٍ فيقال: هذا أدلُّ على الرَّدِّ منه على الصِّحَّة واللُّزوم، فإنَّه عَقْد عاجزٍ أحمق على خلاف ما أمر (١) الله ورسوله، فيكون مردودًا باطلًا. فهذا الرَّأي والقياس أدلُّ على بطلان طلاق مَن عَجَز واستحمق منه على صحَّته واعتباره.

وأمَّا قوله: «فحُسِبَت من طلاقها»، ففِعْلٌ مبنيٌّ لما لم يسمَّ فاعلُه، فإذا سمِّي فاعله، وظهر، وتبيَّن من هو (٢)؛ هل في حُسْبانه حجَّةٌ أو لا؟ وليس في حسبان الفاعل المجهول دليلٌ البتَّة. وسواءٌ كان القائل «فحُسِبَت» ابنَ عمر أو نافعًا أو من دونه= ليس فيه بيانٌ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حسبها حتَّى


(١) م، ح، ط الهندية: «خلاف أمر».
(٢) المطبوع: «فاعله، ظهر، وتبيّن هل». ح: «فاعله وتبين من هو ظهر ... »، وفي ص، ب: «تبيّن» بدون الواو.