تلزمُ الحجَّة به، وتحرمُ مخالفته، فقد تبيَّن أنَّ سائر الأحاديث لا تخالف حديثَ أبي الزبير، وأنَّه صريحٌ في أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرها شيئًا، وسائر الأحاديث مجملةٌ لا بيانَ فيها.
قال المُوْقِعون: لقد ارتقيتم أيُّها المانعون مرتقًى صعبًا، وأبطلتم أكثرَ طلاق المطلِّقين، فإنَّ غالبه طلاقٌ بدعيٌّ، وجاهرتم بخلاف الأئمَّة، ولم تَحَاشَوا (١) خلافَ الجمهور، وشذذتم بهذا القول الذي أفتى جمهورُ الصَّحابة ومَن بعدهم بخلافه، والقرآنُ والسُّنن تدلُّ على بطلانه؛ قال تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: ٢٣٠]، وهذا يعمُّ كلَّ طلاقٍ، وكذلك قوله:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨]، ولم يفرِّق، وكذلك قوله:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}[البقرة: ٢٢٩]، وقوله:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ}[البقرة: ٢٤١] وهذه مُطلَّقةٌ، وهي عموماتٌ لا يجوز تخصيصها إلا بنصٍّ أو إجماعٍ.
قالوا: وحديث ابن عمر دليلٌ على وقوع الطَّلاق المحرَّم من وجوهٍ:
أحدها: الأمر بالمراجعة، وهي لمُّ شَعَث النِّكاح، وإنَّما شعثه وقوع الطَّلاق.
الثَّاني: قول ابن عمر: «فراجعتها وحسبت لها التَّطليقة التي طلَّقها»، وكيف يُظنُّ بابن عمر أنَّه يخالف رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فيحسبها مِن طلاقها، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرها شيئًا.
(١) ط الفقي والرسالة: «تتحاشوا» خلاف النسخ وط الهندية، و «تحاشوا» حذفت منه إحدى التاءين في المضارع من باب تفاعَلَ، وهو سائغ. والمعنى: لم تتنزهوا ولم تتجنبوا.