للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تنكح زوجًا غيرك، وعصيتَ ربَّك فيما أمركَ به من طلاق امرأتك. وهذا تفسيرٌ منه للطَّلاق المأمور به، وتفسير الصَّحابيِّ حجَّةٌ. وقال الحاكم (١): هو عندنا مرفوعٌ.

ومن تأمَّل القرآنَ حقَّ التَّأمُّل، تبيَّن له ذلك، وعرف أنَّ الطَّلاق المشروع بعد الدُّخول هو الطَّلاق الذي يملك به الرَّجعة، ولم يشرع الله سبحانه إيقاع الثَّلاث جملةً واحدةً البتَّة، قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩]، ولا تعقل العربُ في لغتها وقوع المرَّتين إلا متعاقبتين، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَن سبَّح الله دُبُر كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحَمِدَه (٢) ثلاثًا وثلاثين، وكبَّره أربعًا وثلاثين» (٣) ونظائره، فإنَّه لا يُعْقَل من ذلك إلا تسبيحٌ وتحميدٌ وتكبيرٌ متوالٍ يتلو بعضُه بعضًا، فلو قال: «سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر أربعًا وثلاثين» بهذا اللَّفظ؛ لكان ثلاث مرَّاتٍ فقط.

وأصْرَح من هذا قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦]، فلو قال: أشهد بالله أربع شهاداتٍ إنِّي لمن الصَّادقين؛ كانت مرَّةً (٤). وكذلك قوله: {(٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ} [النور: ٨]، فلو قالت: أشهدُ أربع شهاداتٍ بالله إنَّه لمن الكاذبين؛ كانت واحدةً.


(١) «معرفة علوم الحديث» (ص ١٤٩).
(٢) د، ص، ب: «وحمد الله».
(٣) سبق تخريجه، وهذا لفظ مسلم (٥٩٧).
(٤) ب زيادة: «واحدة».