للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} إلى أن قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨]، فهذا يدلُّ على أنَّ كلَّ طلاقٍ بعد الدُّخول فالمطلِّق أحقُّ فيه بالرَّجعة سوى الثَّالثة المذكورة بعد هذا، وكذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} إلى قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:١ - ٢]، فهذا هو الطَّلاق المشروع، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أقسامَ الطَّلاق كلَّها في القرآن، وذَكَر أحكامها، فذكر الطَّلاق قبل الدُّخول، وأنَّه لا عِدَّة فيه، وذكر الطَّلقة الثَّالثة، وأنَّها تُحَرِّم الزَّوجةَ على المطلِّق {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]، وذَكَر طلاقَ الفداء الذي هو الخُلْع، وسمَّاه فديةً، ولم يحسبه من الثَّلاث كما تقدَّم (١)، وذَكَر الطَّلاق الرَّجعيَّ الذي المطلِّق أحقُّ فيه بالرَّجعة، وهو ما عدا هذه الأقسام الثَّلاثة.

وبهذا احتجَّ أحمدُ والشَّافعيُّ (٢) وغيرهما على أنَّه ليس في الشَّرع طلقةٌ واحدةٌ بعد الدُّخول بغير عوضٍ بائنةٌ، وأنَّه إذا قال لها: «أنتِ طالقٌ طلقةً بائنةً» كانت رجعيَّةً، ويلغو وصفها بالبينونة، وأنَّه لا يملك إبانتها إلا بِعِوَضٍ.

وأمَّا أبو حنيفة (٣)، فقال: تَبِينُ بذلك لأنَّ الرَّجعة حقٌّ له، وقد أسقطها، والجمهور يقولون: وإن كانت الرَّجعة حقًّا له لكن نفقة الرَّجعيَّة وكسوتها


(١) (ص ٢٧٩).
(٢) ينظر «الأم»: (٦/ ٤٦٩)، و «المحلى»: (١٠/ ٢١٦)، و «الحاوي الكبير»: (١٠/ ٣٨٤)، و «المغني»: (١٠/ ٣٦٧).
(٣) ينظر «المبسوط»: (٦/ ١٨)، و «بدائع الصنائع»: (٢/ ٩٢ - ٩٣).