للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّأكيد، ولا يريدون به الثَّلاث، فلمَّا رأى عمر - رضي الله عنه - في زمانه أمورًا ظهرت وأحوالًا تغيَّرت، منع من حمل اللَّفظ على التَّكرار، وأَلزَمهم الثَّلاثَ.

وقالت طائفةٌ: معنى الحديث أنَّ النَّاس كانت عادتُهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيقاعَ الواحدة، ثمَّ يَدَعُها حتَّى تنقضي عدَّتها، ثمَّ اعتادوا الطَّلاق الثَّلاثَ جملةً، وتتابعوا فيه. ومعنى الحديث على هذا: كان الطَّلاق الذي يُوقِعه (١) المطلِّق الآن ثلاثًا يُوقِعه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر واحدةً، فهو إخبارٌ عن الواقع لا عن المشروع.

وقالت طائفةٌ: ليس في الحديث بيانُ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي كان يجعل الثَّلاث واحدةً، ولا أنَّه أعلم (٢) بذلك فأقرَّ عليه، ولا حجَّة إلا فيما قاله أو فعلَه أو عَلِمَ به فأقرَّ عليه (٣)، ولا نعلم صحَّة واحدةٍ من هذه الأمور في حديث أبي الصهباء.

قالوا: وإذا اختلفت علينا الأحاديث نظرنا إلى ما عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّهم أعلم بسنَّته، فنظرنا فإذا الثَّابت عن عمر بن الخطَّاب الذي لا يثبت عنه غيره: ما رواه عبد الرزاق (٤) عن سفيان الثَّوريِّ، عن سلمة بن كُهَيلٍ، ثنا زيد بن وهبٍ، أنَّه رُفِع إلى عمر بن الخطَّاب رجلٌ طلَّق امرأته ألفًا، فقال له عمر: أطلَّقتَ امرأتك؟ فقال: إنَّما كنتُ ألعب، فعلاه عمر بالدِّرَّة،


(١) د: «أوقعه».
(٢) ص: «علم».
(٣) «ولا حجة إلا فيما قاله أو فعله أو علم به فأقرَّ عليه» ساقطة من د، ص، ز، ب.
(٤) برقم (١١٣٤٠)، وكذا ابن أبي شيبة (١٨١٠٠)، والبيهقي في «الكبرى» (٧/ ٣٣٤)، من طريق سفيان وشعبة عن سلمة بن كهيل به، وسنده صحيح.