للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال البيهقي (١): ورواية عكرمة عن ابن عبَّاسٍ فيها تأكيدٌ لصحَّة هذا التَّأويل. يريد البيهقي ما رواه أبو داود والنَّسائيُّ (٢) من حديث عكرمة في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} الآية [البقرة: ٢٢٨]، وذلك أنَّ الرَّجل كان إذا طلَّق امرأته فهو أحقُّ برجعتها، وإن طلَّقها ثلاثًا، فنُسِخ ذلك، فقال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩].

قالوا: فيحتمل أنَّ الثَّلاث كانت تُجعل واحدةً من هذا الوقت، بمعنى أنَّ الزَّوج كان يتمكَّن من المراجعة بعدها، كما يتمكَّن من المراجعة (٣) بعد الواحدة، ثمَّ نُسِخ ذلك.

وقال ابن سُرَيج (٤): يمكن أن يكون ذلك إنَّما جاء في نوعٍ خاصٍّ من الطَّلاق الثَّلاث، وهو أن يُفرِّق بين الألفاظ، كأنه يقول: أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، وكان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر النَّاسُ على صدقهم وسلامتهم، لم يكن فيهم الخبُّ والخداع، فكانوا يُصدَّقون أنَّهم أرادوا به


(١) في «السنن الكبرى» (٧/ ٣٣٨).
(٢) أخرجه أبو داود (٢١٩٥، ٢٢٨٢) والنسائي في «المجتبى» (٣٥٥٤) وفي «الكبرى» (٥٧١٧) من طريق علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقد اختلف في وصله وإرساله، فوصله علي بن الحسين كما هنا، وأرسله يحيى بن واضح عند ابن جرير في «تفسيره» (٤/ ٥٢٧)؛ فجعله من قول عكرمة والحسن، ويحيى أوثق من عليٍّ؛ ففي حفظ علي وأبيه مقالٌ يسير، وقد صحح الموصولَ الضياء في «المختارة» (٣٤٥)، والألباني في «الإرواء» (٢٠٨٠) بشواهده.
(٣) «بعدها كما يتمكن من المراجعة» ساقطة من ص، ب.
(٤) ص، ز، ب: «ابن جريج»، تحريف. وانظر كلامه في «معالم السنن» (٣/ ١٢٧).