للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وأمَّا استدلالكم بحديث فاطمة بنت قيس، فمن العجب العُجاب، فإنَّكم خالفتموه فيما هو صريحٌ فيه لا يقبل تأويلًا صحيحًا، وهو سقوط النَّفقة والكسوة للبائن، مع صحَّته وصراحته وعدمِ ما يعارضه مقاومًا له، وتمسَّكتم به فيما هو مجملٌ، بل بيانُه في نفس الحديث بما يُبطِل تعلُّقَكم به، فإنَّ قوله: «طلَّقها ثلاثًا» ليس بصريحٍ في جمعها، بل كما تقدَّم، كيف وفي «الصَّحيح» (١) في خبرها نفسِه من رواية الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أنَّ زوجها أرسل إليها بتطليقةٍ كانت بقيتْ لها من طلاقها. وفي لفظٍ في «الصَّحيح» (٢): أنَّه طلَّقها آخرَ ثلاثِ تطليقاتٍ. وهو سندٌ صحيحٌ متَّصلٌ مثل الشَّمس، فكيف ساغ لكم تركُه إلى التَّمسُّك بلفظٍ مجملٍ، وهو أيضًا حجَّةٌ عليكم كما تقدَّم؟

قالوا: وأمَّا استدلالكم بحديث عبادة بن الصَّامت الذي رواه عبد الرزاق، فخبرٌ في غاية السُّقوط؛ لأنَّ في طريقه: يحيى بن العلاء عن عبيد الله بن الوليد الوَصَّافي عن إبراهيم بن عبيد الله، ضعيفٌ عن هالكٍ عن مجهولٍ، ثمَّ الذي يدلُّ على كذبه وبطلانه أنَّه لم يُعرَف في شيءٍ من الآثار ــ صحيحِها ولا سقيمِها، ولا متَّصلِها ولا منقطعِها ــ أنَّ والد عبادة بن الصَّامت أدرك الإسلام، فكيف بجدِّه؟ فهذا محالٌ بلا شكٍّ.

وأمَّا حديث عبد الله بن عمر، فأصله صحيحٌ بلا شكٍّ، لكنَّ هذه الزِّيادة والوصلة التي فيه «فقلت: يا رسول الله، لو طلَّقتُها ثلاثًا أكانتْ تَحِلُّ لي؟» إنَّما جاءت من رواية شعيب بن رُزَيق (٣)، وهو الشامي، وبعضهم يقلبه


(١) أخرجه مسلم (١٤٨٠/ ٤١).
(٢) أخرجه مسلم (١٤٨٠/ ٤٠).
(٣) في المطبوع: «زريق»، خطأ.