للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّحريم، فالطَّلاق الثَّلاث مؤكِّدٌ لمقصود اللِّعان ومقرِّرٌ له، فإنَّ غايته أن يُحرِّمها عليه حتَّى تنكح زوجًا غيره، وفرقة اللِّعان تُحرِّمها عليه على الأبد، ولا يلزم من نفوذ الطَّلاق في نكاحٍ قد صار مستحقَّ التَّحريم على التَّأبيد نفوذُه في نكاحٍ قائمٍ مطلوب البقاء والدَّوام، ولهذا لو طلَّقها في هذا الحال وهي حائضٌ أو نُفَساء أو في طهرٍ جامعها فيه= لم يكن عاصيًا، لأنَّ هذا النِّكاح مطلوبُ الإزالة مؤبَّدُ التَّحريم. ومن العجب أنَّكم تتمسَّكون بتقرير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا الطَّلاق المذكور، ولا تتمسَّكون بإنكاره وغضبه للطَّلاق الثَّلاث من غير الملاعن، وتسميتِه لعبًا بكتاب الله كما تقدَّم، فكم بين هذا الإقرار (١) وهذا الإنكار؟ ونحن بحمد الله قائلون بالأمرين، مُقِرُّون لما أقرَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منكرون لما أنكره.

وأمَّا استدلالكم بحديث عائشة أنَّ رجلًا طلَّق ثلاثًا فتزوَّجتْ، فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتحلُّ (٢) للأوَّل؟ فقال: «لا، حتَّى تذوق العُسيلةَ»، فهذا مما (٣) لا نُنازعكم فيه، نعم هو حجَّةٌ على من اكتفى بمجرَّد عقد الثَّاني، ولكن أين في الحديث أنَّه طلَّق الثَّلاث بفمٍ واحدٍ؟ بل الحديث حجَّةٌ لنا، فإنَّه لا يقال: «فعل ذلك ثلاثًا» و «قال ثلاثًا» إلا لمن فعلَ وقال مرَّةً بعد مرَّةٍ، هذا هو المعقول في لغات الأمم عربهم وعجمهم، كما يقال: قذفَه ثلاثًا، وشتَمَه ثلاثًا، وسلَّم عليه ثلاثًا.


(١) ز: «القرار».
(٢) في المطبوع: «هل تحل». والمثبت من النسخ.
(٣) «مما» ليست في المطبوع.