أمَّا منعُكم لتحريم جمع الثَّلاث، فلا ريبَ أنَّها مسألة نزاعٍ، ولكنَّ الأدلَّة الدَّالَّة على التَّحريم حجَّةٌ عليكم.
أمَّا قولكم: إنَّ القرآن قد دلَّ على جواز الجمع، فدعوى غير مقبولةٍ، بل باطلةٌ، وغايةُ ما تمسَّكتم به إطلاق القرآن للفظ الطَّلاق، وذلك لا يعمُّ جائزَه ومحرَّمَه، كما لا يدخل تحته طلاق الحائض وطلاق الموطوءة في طهرها، وما مَثلكم في ذلك إلا كمثل من عارض السُّنَّة الصَّحيحة في تحريم الطَّلاق المحرَّم بهذه الإطلاقات سواء، ومعلومٌ أنَّ القرآن لم يدلَّ على جواز كلِّ طلاقٍ حتَّى تُحمِّلوه ما لا يطيقه، وإنَّما دلَّ على أحكام الطَّلاق، والمبيِّن عن الله بيَّن حلاله وحرامه، ولا ريبَ أنَّا أسعدُ بظاهر القرآن كما بيَّنَّا في صدر الاستدلال، وأنَّه سبحانه لم يشرع قطُّ طلاقًا بائنًا بغير عوضٍ لمدخولٍ بها إلا أن يكون آخرَ العدد، وهذا كتاب الله بيننا وبينكم، وغاية ما تمسَّكتم به ألفاظٌ مطلقةٌ قيَّدتْها السُّنَّة، وبيَّنتْ شروطها وأحكامها.
وأمَّا استدلالكم بأنَّ الملاعن طلَّق امرأته ثلاثًا بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما أصحَّه من حديثٍ، وأبعدَه من استدلالكم على جواز الطَّلاق الثَّلاث بكلمةٍ واحدةٍ في نكاحٍ يُقصَد بقاؤه ودوامه. ثمَّ المستدلُّ بهذا إن كان ممَّن يقول: إنَّ الفرقة وقعت عقيبَ لعان الزَّوج وحده، كما يقوله الشَّافعيُّ، أو عقيبَ لعانهما وإن لم يُفرِّق الحاكم، كما يقوله أحمد في إحدى الرِّوايات عنه= فالاستدلال به باطلٌ، لأنَّ الطَّلاق الثَّلاث حينئذٍ لغوٌ لم يُفِدْ شيئًا. وإن كان ممَّن يُوقِف الفرقة على تفريق الحاكم لم يصحَّ الاستدلال به أيضًا، لأنَّ هذا النِّكاح لم يبقَ سبيلٌ إلى بقائه ودوامه، بل هو واجب الإزالة ومؤبَّدُ