للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال صاحب «المغني» (١): ووجه هذه الرِّواية أنَّ التَّخيير كنايةٌ نوى بها الطَّلاق، فوقع بمجرَّدها كسائر كناياته.

وهذا هو الذي صرَّحت (٢) عائشة ــ والحقُّ معها ــ بإنكاره وردِّه، فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا اختاره أزواجُه لم يقل: وقعَ بكنَّ طَلْقةٌ، ولم يراجعهنَّ، وهي أعلمُ الأمَّة بشأن التَّخيير. وقد صحَّ عن عائشة أنَّها قالت: «لم يكن ذلك طلاقًا»، وفي لفظٍ: «لم نعدَّه (٣) طلاقًا»، وفي لفظٍ: «خيَّرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أفكان (٤) طلاقًا»؟ (٥).

والَّذي لحظه من قال: إنَّها طلقةٌ رجعيَّةٌ، أنَّ التَّخيير تمليكٌ، ولا تملك المرأة نفسَها إلا وقد طَلَقت، فالتَّمليك مستلزمٌ لوقوع الطَّلاق. وهذا مبنيٌّ على مقدِّمتين، إحداهما: أنَّ التَّخيير تمليكٌ، والثَّانية أنَّ التَّمليك يستلزم وقوع الطَّلاق. وكلا المقدِّمتين ممنوعةٌ، فليس التَّخيير بتمليكٍ، ولو كان تمليكًا لم يستلزم وقوعَ الطَّلاق قبل إيقاع مَن مَلكَه، فإنَّ غاية أمره أن تملكه الزَّوجة كما كان الزَّوج يملكه، فلا يقع بدون إيقاع مَن ملكَه، ولو صحَّ ما ذكروه لكان بائنًا؛ لأنَّ الرَّجعيَّة لا تملك نفسها.

وقد اختلف الفقهاء في التَّخيير: هل هو تمليكٌ، أو توكيلٌ، أو بعضه


(١) (١٠/ ٣٩١، ٣٩٢).
(٢) في م بعدها: «به» وليست في بقية النسخ.
(٣) د، ص، م: «يعده».
(٤) همزة الاستفهام ليست في ص، د، ب.
(٥) الألفاظ الثلاثة عند مسلم (١٤٧٧)، والأخير عند البخاري أيضًا (٥٢٦٣).