للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويكون كنايةً في الطَّلاق، ويحتمل أنَّه جعلها واحدةً بقول ضرَّتها: هي طالقٌ، ولم يجعل للضَّرَّة إبانتَها لئلَّا تكون هي القوَّامة على الزَّوج، فليس في هذا دليلٌ لما ذهبتْ إليه هذه الفِرقة، بل هو حجَّةٌ عليها.

وقال أبو عبيد (١): ثنا عبد الغفَّار بن داود، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ: أنَّ رُمَيثة الفارسية (٢) كانت تحت محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فملَّكها أمْرَها، فقالت: أنتَ طالقٌ ثلاث مرَّاتٍ، فقال عثمان بن عفَّان: أخطأتْ، لا طلاقَ لها، لأنَّ المرأة لا تُطلِّق.

وهذا أيضًا لا يدلُّ لهذه الفِرقة؛ لأنَّه إنَّما لم يُوقع الطَّلاق لأنَّها أضافَتْه إلى غير محلِّه وهو الزَّوج، ولم يقل: أنا منك طالقٌ. وهذا نظير ما رواه عبد الرزاق (٣)، ثنا ابن جريجٍ، أخبرني أبو الزبير أنَّ مجاهدًا أخبره أنَّ رجلًا جاء إلى ابن عبَّاسٍ فقال: ملَّكتُ امرأتي أمرَها فطلَّقتْني ثلاثًا، فقال ابن عبَّاسٍ: خَطَّأ الله نَوْءَها (٤)، الطَّلاقُ لك عليها، وليس لها عليك.


(١) رواه عنه ابن حزم في «المحلى» (١٠/ ١٢٠) معلقًا، ويزيد لم يدرك عثمان.
(٢) كذا في النسخ، والصواب: «الفِراسية» من بني فراس، كما في «تاريخ دمشق» (٣٢/ ٢٣٨، ٢٣٩) و «المحلى». وفي «المحلى»: «رميسة» تصحيف.
(٣) في «المصنف» (١١٩١٨)، وسنده صحيح؛ صرَّح فيه ابن جريج وشيخه بالسماع؛ فانتفت شبهة تدليسهما. قال ابن حزم في «المحلى» (١٠/ ١٢٠): «وهذا في غاية الصحة عن ابن عباس».
(٤) يقال لمن طلبَ حاجةً فلم ينجح: أخطأ نَوْؤُك. أراد: لو طلَّقَتْ نفسَها لوقعَ الطلاق، فحيثُ طلَّقَتْ زوجَها لم تقع، فكانت كمن يُخطِئه النَّوء فلا يُمطَر. انظر: «النهاية» (٥/ ١٢٢، ١٢٣).