للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس هذا بشيءٍ. قلت: فأرسل إليها رجلًا أنَّ أمرها بيدها يومًا أو ساعةً، قال: ما أدري ما هذا؟ ما أظنُّ هذا شيئًا. قلت لعطاءٍ: أملَّكتْ عائشةُ حفصةَ (١) حين ملَّكها المنذر بن الزبير [أمرَها] (٢)؟ قال عطاء: لا، إنَّما عرضت عليهم (٣) أَيُطلِّقها أم لا، ولم يُملِّكها أمْرَها.

ولولا هيبة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عدَلْنا عن هذا القول، ولكن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم القدوة وإن اختلفوا في حكم التَّخيير، ففي ضمن اختلافهم اتَّفاقُهم على اعتبارِ التَّخييرِ وعدمِ إلغائه، ولا مفسدةَ في ذلك. والمفسدة التي ذكرتموها في كون الطَّلاق بيد المرأة، إنَّما تكون لو كان بيدها استقلالًا، فأمَّا إذا كان الزَّوج هو المستقلُّ بها، فقد تكون المصلحة له في تفويضها إلى المرأة، ليصير حاله معها على بيِّنةٍ، إن أحبَّتْه أقامتْ معه، وإن كرهتْه فارقتْه، فهذا مصلحةٌ له ولها، وليس في هذا ما يقتضي تغييرَ شرعِ الله وحكمته، ولا فرقَ بين توكيلِ المرأة في طلاق نفسها وتوكيلِ الأجنبيِّ، ولا معنى لمنع توكيل الأجنبيِّ في الطَّلاق، كما يصحُّ توكيله في النِّكاح والخلع.

وقد جعل الله سبحانه للحكمينِ النَّظرَ في حال الزَّوجين عند الشِّقاق، إن رأيا التَّفريق فرَّقا، وإن رأيا الجمع جمعَا، وهو طلاقٌ أو فسخٌ من غير الزَّوج، إمَّا برضاه إن قيل: هما وكيلان، أو بغير رضاه إن قيل: هما حَكَمان. وقد


(١) هي حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، زوَّجتْها عائشةُ المنذرَ، انظر القصة في «الموطأ» (١٥٩٦).
(٢) الزيادة من «المصنف» و «المحلى» ليستقيم السياق.
(٣) كذا في «المحلى»، ومنه نقل المؤلف. وفي «المصنَّف»: «عليها» و «لتطلقها» و «لم تملكها».