ولعلَّ أبا محمد غلِطَ على علي وزيد وابن عمر، من مسألة الخليَّة والبريَّة والبتَّة، فإنَّ أحمد حكى عنهم أنَّها ثلاثٌ، وقال (١): هو عن علي وابن عمر صحيحٌ. فوهم أبو محمد وحكاه في «أنت عليَّ حرامٌ»، وهو وهمٌ ظاهرٌ، فإنَّهم فرَّقوا بين التَّحريم فأفتوا فيه بأنَّه يمينٌ، وبين الخليَّة فأفتوا فيها بالثَّلاث، ولا أعلم أحدًا قال إنَّه ثلاثٌ بكلِّ حالٍ.
المذهب الثَّالث: أنَّه ثلاثٌ في حقِّ المدخول بها لا يُقبل منه غيرُ ذلك، وإن كانت غيرَ مدخولٍ بها وقع ما نواه من واحدةٍ واثنتين وثلاثٍ، فإن أطلق فواحدةٌ. فإن قال: لم أُرِدْ طلاقًا، فإن كان قد تقدَّم كلامٌ يجوز صرفُه إليه قُبِل منه، وإن كان ابتداءً لم يُقبَل، وإن حرَّم أَمتَه أو طعامَه أو متاعَه فليس بشيءٍ. وهذا مذهب مالك.
المذهب الرَّابع: أنَّه إن نوى الطَّلاق كان طلاقًا، ثمَّ إن نوى به الثَّلاث فثلاثٌ، وإن نوى دونها فواحدةٌ بائنةٌ، وإن نوى يمينًا فهو يمينٌ فيها كفَّارةٌ، وإن لم ينوِ شيئًا فهو إيلاءٌ فيه حكم الإيلاء. فإن نوى الكذب صُدِّق في الفتيا، ولم يكن شيئًا، ويكون في القضاء إيلاءً، وإن صادف غيرَ الزَّوجة كالأَمة والطَّعام وغيره فهو يمينٌ، فيه كفَّارتها. وهذا مذهب أبي حنيفة.
المذهب الخامس: أنَّه إن نوى به الطَّلاق كان طلاقًا، ويقع ما نواه، فإن أطلق وقعتْ واحدة، وإن نوى الظِّهار كان ظهارًا، وإن نوى اليمين كان يمينًا، وإن نوى تحريمَ عينها من غير طلاقٍ ولا ظهارٍ فعليه كفَّارة يمينٍ، وإن لم ينو
(١) كما في «المغني» (١٠/ ٣٦٥). وسيأتي تخريج الأثرين عنهما.