للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّليل الثَّالث: قوله: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ}، وإنَّما العزم ما عزم العازم على فعله، كقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥].

فإن قيل: فترك الفيئة عزمٌ على الطَّلاق.

قيل: العزم هو إرادةٌ جازمةٌ لفعل المعزوم عليه أو تركه، وأنتم تُوقِعون الطَّلاق بمجرَّد مضيِّ المدَّة، وإن لم يكن منه عزمٌ لا على وطءٍ ولا على تركه، بل لو عزم على الفيئة ولم يجامع طلَّقتم عليه بمضيِّ المدَّة، ولم يعزم الطَّلاق، فكيفما قدَّرتم فالآية حجَّةٌ عليكم.

الدَّليل الرَّابع: أنَّ الله سبحانه خيَّره في الآية بين أمرين: الفيئة أو الطَّلاق، والتَّخيير بين أمرين لا يكون إلا في حالةٍ واحدةٍ كالكفَّارات، ولو (١) كان في حالتين لكان ترتيبًا لا تخييرًا. وإذا تقرَّر هذا فالفيئة عندكم في نفس المدَّة، وعزم الطَّلاق بانقضاء المدَّة، فلم يقع التَّخيير في حالٍ واحدةٍ.

فإن قيل: هو مخيَّرٌ بين أن يفيء في المدَّة وبين أن يترك الفيئة، فيكون عازمًا للطَّلاق بمضيِّ المدَّة.

قيل: تركُه للفيئة لا يكون عزمًا للطَّلاق، وإنَّما يكون عزمًا عندكم إذا انقضت المدَّة، فلا يتأتَّى التَّخيير بين عزم الطَّلاق وبين الفيئة البتَّةَ، فإنَّ بمضيِّ المدَّة يقع الطَّلاق عندكم، فلا يمكن الفيئة، وفي المدَّة يمكن الفيئة، ولم يحضر وقتُ عزمِ (٢) الطَّلاق الذي هو مضيُّ المدَّة، وحينئذٍ فهذا دليلٌ


(١) د: «وإن».
(٢) م، د، ح: «عدم».