الدَّليل السَّادس: أنَّ التَّخيير بين أمرين يقتضي أن يكون فعلُهما إليه، ليصحَّ منه اختيار فعلِ كلٍّ منهما وتركه، وإلَّا لبطل حكم خياره، ومضيُّ المدَّة ليس إليه.
الدَّليل السَّابع: أنَّه سبحانه قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فاقتضى أن يكون الطَّلاق قولًا يُسمَع، ليحسُنَ ختم الآية بصفة السَّمع.
الدَّليل الثَّامن: أنَّه لو قال لغريمه: لك أجلُ أربعة أشهرٍ، فإن وفَّيتَني قبلتُ منك، وإن لم تُوفِّني حبستُك= كان مقتضاه أنَّ الوفاء والحبس بعد المدَّة لا فيها، ولا يعقل المخاطب غير هذا.
فإن قيل: ما نحن فيه نظير قوله: لك الخيارُ ثلاثة أيَّامٍ، فإن فسختَ البيع وإلَّا لزمك، ومعلومٌ أنَّ الفسخ إنَّما يقع في الثَّلاث لا بعدها.
قيل: هذا من أقوى حججنا (١) عليكم، فإنَّ موجب العقد اللُّزوم، فجعل له الخيار في مدَّة ثلاثة أيَّامٍ، فإذا انقضت ولم يفسخ عاد العقد إلى حكمه، وهو اللُّزوم. وهكذا الزَّوجة لها حقٌّ على الزَّوج في الوطء، كما له حقٌّ عليها، قال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ٢٢٨]، فجعل له الشَّارع امتناع أربعة أشهرٍ لا حقَّ لها فيهنَّ، فإذا انقضت المدَّة عادت على حقِّها بموجب العقد، وهو المطالبة لا وقوع الطَّلاق. وحينئذٍ فهذا دليلٌ تاسعٌ مستقلٌّ.