للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدَّليل العاشر: أنَّه سبحانه جعل للمُؤلين شيئًا، وعليهم شيئين، فالَّذي لهم تربُّصُ المدَّة المذكورة، والَّذي عليهم إمَّا الفيئة وإمَّا الطَّلاق، وعندكم ليس عليهم إلا الفيئة فقط، وأمَّا الطَّلاق (١) فليس عليهم، بل ولا إليهم، وإنَّما هو إليه سبحانه عند انقضاء المدَّة، فيُحْكَم بطلاقها عقيبَ انقضاء المدَّة، شاء أو أبى. ومعلومٌ أنَّ هذا ليس إلى المؤلي (٢) ولا عليه، وهو خلاف ظاهر النَّصِّ.

قالوا: ولأنَّها يمينٌ بالله تعالى توجب الكفَّارة، فلم يقع بها الطَّلاق كسائر الأيمان. ولأنَّها مدَّةٌ قدَّرها الشَّرع لم يتقدَّمها الفرقة، فلا يقع بها بينونةٌ كأجل العنِّين. ولأنَّه لفظٌ لا يصحُّ أن يقع به الطَّلاق المعجَّل، فلم يقع به المؤجَّل كالظِّهار. ولأنَّ الإيلاء كان طلاقًا في الجاهليَّة فنُسِخ كالظِّهار، فلا يجوز أن يقع به الطَّلاق؛ لأنَّه استيفاءٌ للحكم المنسوخ، ولِما كان عليه أهل الجاهليَّة.

قال الشَّافعيُّ (٣): كانت الفِرَقُ الجاهليَّة تحلف بثلاثة أشياء: بالطَّلاق والظِّهار والإيلاء، فنقل الله سبحانه الإيلاء والظِّهار عمَّا كانا عليه في الجاهليَّة من إيقاع الفرقة على الزَّوجة إلى ما استقرَّ عليه حكمهما في الشَّرع، وبقي حكم الطَّلاق على ما كان عليه. هذا لفظه.

قالوا: ولأنَّ الطَّلاق إنَّما يقع بالصَّريح أو الكناية، وليس الإيلاء واحدًا منهما، إذ لو كان صريحًا لوقع معجَّلًا إن أطلقه، أو إلى أجلٍ مسمًّى إن قيَّده،


(١) «وعندكم ... وأما الطلاق» ساقطة من د.
(٢) م، ح: «الولي»، خطأ.
(٣) في «الأم» (٦/ ٦٩٦) بنحوه. وفي «الحاوي» للماوردي (١٠/ ٨٢٢ ط. دار الفكر): «كانت الفرقة في الجاهلية بين الزوجين أسبابها بثلاثة أشياء ... » ثم يوافق ما هنا.