مستقلٌّ بنفسه غير مردودٍ إلى أحكام (١) الدَّعاوي والبيِّنات، بل هو أصلٌ قائمٌ بنفسه شرَعَه الذي شرع نظيره من الأحكام، وفصَّلَه الذي فصَّلَ الحلال والحرام، ولمَّا كان لعان الزَّوج بدلًا عن الشُّهود لا جَرَمَ نزل عن مرتبة البيِّنة، فلم يستقلَّ وحدَه بحكم البيِّنة، وجعل للمرأة معارضته بلعان نظيره، وحينئذٍ فلا يظهر ترجيح أحد اللِّعانين على الآخر لنا، والله يعلم أنَّ أحدهما كاذبٌ، فلا وجهَ لحدِّ المرأة بمجرَّد لعان الزَّوج. فإذا مُكِّنت من معارضته وإتيانها بما يُبرِّئ ساحتها فلم تفعل ونَكلتْ عن ذلك= عمِلَ المقتضي عملَه، وانضاف إليه قرينةٌ قوَّتْه وأكَّدتْه، وهي نكول المرأة وإعراضها عمَّا يخلِّصها من العذاب ويدرؤه عنها.
قالوا: وأمَّا قولكم: إنَّه لو شهد عليها مع ثلاثةٍ غيره لم تُحَدَّ بهذه الشَّهادة، فكيف تُحدُّ بشهادته وحده؟ فجوابه: أنَّها لم تُحدَّ بشهادةٍ مجرَّدةٍ، وإنَّما حُدَّت بمجموع لعانِه خمسَ مرَّاتٍ ونكولِها عن معارضته مع قدرتها عليها، فقام من مجموع ذلك دليلٌ في غاية الظُّهور والقوَّة على صحَّة قوله، والظَّنُّ المستفاد منه أقوى بكثيرٍ من الظَّنِّ المستفاد من شهادة الشُّهود.
وأمَّا قولكم: إنَّه أحد اللِّعانين، فلا يُوجِب حدَّ الآخر كما لم يوجب لعانُها حدَّه، فجوابه: أنَّ لعانها إنَّما شُرِع للدَّفع لا للإيجاب، كما قال تعالى: {(٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ}، فدلَّ النَّصُّ على أنَّ لعانه مقتضٍ لإيجاب الحدِّ، ولعانها دافعٌ ودارئٌ لا مُوجِبٌ، فقياس أحد اللِّعانين على الآخر جمْعٌ بين ما فرَّق سبحانه بينهما، وهو باطلٌ.