للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو كان هذا شرطًا لما أقيم الحدُّ بشهادة أربعةٍ، إذ شهادتهم لا تَجعل الزِّنا محقَّقًا بهذا الاعتبار. وإن أردتم بعدم التَّحقُّق أنَّه مشكوكٌ فيه على السَّواء بحيث لا يترجَّح ثبوته، فباطلٌ قطعًا، وإلَّا لما وجب عليها العذابُ المدرُوءُ (١) بلعانها، ولا ريبَ أنَّ التَّحقُّق المستفاد من لعانه المؤكَّد المكرَّر مع إعراضها عن معارضةٍ ممكنةٍ منه، أقوى من التَّحقُّق بأربع شهودٍ، ولعلَّ لهم غرضًا في قذْفِها وهتكِها وإفسادِها على زوجها، والزَّوج لا غرضَ له في ذلك منها.

وقولكم: إنَّه لو تحقَّق فإمَّا أن يتحقَّق بلعان الزَّوج أو بنكولها أو بهما، فجوابه أنَّه تحقَّق بهما، ولا يلزم من عدم استقلال أحد الأمرين بالحدِّ وضعْفِه عنه عدمُ استقلالهما معًا، إذ هذا شأن كلِّ مفردٍ لم يستقلَّ بالحكم بنفسه، ويستقلُّ به مع غيره لقوَّته به.

وأمَّا قولكم: عجبًا للشَّافعيِّ! كيف لا يقضي بالنُّكول في درهمٍ ويقضي به في إقامة حدٍّ بالغَ الشَّارعُ في سَتْره واعتبر له أكمل بيِّنةٍ، فهذا موضعٌ لا يُنتَصر فيه للشَّافعيِّ ولا لغيره من الأئمَّة، وليس لهذا (٢) وُضِع كتابنا هذا، ولا قصدنا به نُصرةَ أحدٍ من العالمين، وإنَّما قصدنا به مجرَّدَ هديِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سيرته وأقضيته وأحكامه، وما تضمَّن سوى ذلك فتَبعٌ مقصودٌ لغيره فهَبْ أنَّ من لم يقضِ بالنُّكول تناقضَ فماذا يَضُرُّ ذلك هديَ (٣) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟


(١) في المطبوع: «المدرأ» خلاف جميع النسخ. والمدروء بمعنى المدفوع اسم مفعول من الفعل الثلاثي، ولا يستعمل الفعل الرباعي بهذا المعنى.
(٢) ص، د، ز: «هذا».
(٣) م: «بهدي».