للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إيجاب الحدِّ عليها باللِّعان خلافًا لأقوال هؤلاء الصَّحابة، فإنَّ إسقاط الحدِّ بالحبل أدخلُ في خلافهم وأظهرُ، فما الذي سَوَّغ لكم إسقاطَ حدٍّ أوجبوه بالحبل، وصريحَ مخالفتِهم، وحرَّم على منازعيكم مخالفتَهم في إيجاب الحدِّ بغير هذه الثَّلاثة؟ مع أنَّهم أعذرُ منكم لثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أنَّهم لم يخالفوا صريحَ قولهم، وإنَّما هو مخالفةٌ لمفهومٍ سكتوا عنه، فهو مخالفةٌ لسكوتهم، وأنتم خالفتم صريح أقوالهم.

الثَّاني: أنَّ عامَّة (١) ما خالفوه مفهومٌ قد خالفه صريحٌ عن جماعةٍ منهم بإيجاب الحدِّ، فلم يخالفوا ما أجمع عليه الصَّحابة، وأنتم خالفتم منطوقًا لا يُعلَم لهم فيه مخالفٌ البتَّة، وهو إيجاب الحدِّ بالحبل، فلا يُحفَظ عن صحابيٍّ قطُّ مخالفة عمر وعلي - رضي الله عنهما - في إيجاب الحدِّ به.

الثَّالث: أنَّهم خالفوا هذا المفهوم لمنطوق تلك الأدلَّة التي تقدَّمت، ولمفهوم قوله: {(٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ}، ولا ريبَ أنَّ هذا المفهوم أقوى من مفهوم سقوط الحدِّ بقولهم: إذا كانت البيِّنة أو الحبل أو الاعتراف، فهم تركوا مفهومًا لما هو أقوى منه وأولى، هذا لو كانوا قد خالفوا الصَّحابة، فكيف وقولهم موافقٌ لأقوال الصَّحابة؟ فإنَّ اللِّعان مع نكول المرأة من أقوى البيِّنات كما تقرَّر.

قالوا: وأمَّا قولكم: لم يتحقَّق زناها ... إلى آخره، فجوابه: إن أردتم بالتحقُّق (٢) اليقينَ المقطوع به كالمحرَّمات، فهذا لا يُشتَرط في إقامة الحدِّ،


(١) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «غاية».
(٢) في المطبوع: «بالتحقيق» خلاف النسخ.