عينَ من حلَّت به يقينًا، ففرَّق بينهما خشية أن يكون هو الملعون الذي قد وجبت عليه لعنة الله وباءَ بها، فيعلو امرأةً غير ملعونةٍ، وحكمة الشَّرع تأبى هذا، كما أبتْ أن يعلو الكافر مسلمةً والزَّاني عفيفةً.
فإن قيل: فهذا يوجب أن لا يتزوَّج غيرها لِما ذكرتم بعينه؟
قيل: لا يوجب ذلك؛ لأنَّا لم نتحقَّق أنَّه هو الملعون، وإنَّما تحقَّقنا أنَّ أحدهما كذلك، وشككنا في عينه، فإذا اجتمعا لزمه أحدُ الأمرين ولا بدَّ: إمَّا هذا، وإمَّا إمساكُه ملعونةً مغضوبًا عليها قد وجب عليها غضب الله وباءت به، فأمَّا إذا تزوَّجت بغيره أو تزوَّج بغيرها لم يتحقَّق هذه المفسدة فيهما.
وأيضًا فإنَّ النُّفرة الحاصلة من إساءة كلِّ واحدٍ منهما إلى صاحبه لا تزول أبدًا، فإنَّ الرَّجل إن كان صادقًا عليها فقد أشاع فاحشتَها، وفضَحَها على رؤوس الأشهاد، وأقامها مقامَ الخِزْي، وحقَّق عليها الخزيَ والغضبَ، وقطع نسبَ ولدها. وإن كان كاذبًا فقد أضاف إلى ذلك بَهْتَها بهذه الفرية العظيمة، وإحراقَ قلبها بها. والمرأة إن كانت صادقةً فقد أكذبتْه على رؤوس الأشهاد، وأوجبت عليه لعنة اللَّه. وإن كانت كاذبةً فقد أفسدتْ فراشَه، وخانتْه في نفسها، وألزمتْه العارَ والفضيحة، وأحوجتْه إلى هذا المقام المُخزِي، فحصل لكلِّ واحدٍ منهما من صاحبه من النُّفرة والوحشة وسوء الظَّنِّ به ما لا يكاد يلتئم معه شَمْلُهما (١) أبدًا، فاقتضت حكمةُ من شرْعُه كلُّه