للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرقة اللِّعان تستند إلى حكم الله ورسوله، سواءٌ رضي الحاكم والمتلاعنانِ التَّفريقَ أو أَبَوه، فهي فُرقةٌ من الشَّارع بغير رضا أحدٍ منهم ولا اختياره، بخلاف فرقة الحاكم، فإنَّه إنَّما يفرِّق باختياره.

وأيضًا فإنَّ اللِّعان يكون قد اقتضى بنفسه التَّفريقَ؛ لقوَّته وسلطانه عليه، بخلاف ما إذا توقَّف على تفريق الحاكم، فإنَّه لم يَقْوَ بنفسه على اقتضاء الفرقة، ولا كان له سلطانٌ عليها.

وهذه الرِّواية هي مذهب سعيد بن المسيِّب، قال: إن أكذبَ نفسه فهو خاطبٌ من الخُطَّاب (١)، ومذهب أبي حنيفة ومحمد، وهذا على أصله اطَّردَ؛ لأنَّ فُرقة اللِّعان عنده طلاقٌ. وقال سعيد بن جبيرٍ (٢): إن أكذبَ نفسَه رُدَّت إليه ما دامت في العدَّة.

والصَّحيح القول الأوَّل، الذي دلَّت عليه السُّنَّة الصَّحيحة الصَّريحة وأقوال الصَّحابة، وهو الذي يقتضيه حكمة اللِّعان، ولا يقتضي سواه، فإنَّ لعنة الله عزّ وجلّ وغضبه قد حلَّ بأحدهما لا مَحالةَ، ولهذا قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عند الخامسة: «إنَّها المُوجِبة» (٣) أي الموجبة لهذا الوعيد، ونحن لا نعلم


(١) أخرجه عبد الرزاق (١٢٤٤٠، ١٢٤٤٣) من طريق معمر عن داود بن أبي هند عن ابن المسيب قال: «إذا تاب الملاعن واعترف بعد الملاعنة، فإنه يُجلد، ويلحق به الولد، وتطلق امرأته تطليقة بائنة، ويخطبها مع الخطاب، ويكون ذلك متى أكذب نفسه». وصحح الحافظ إسنادَه في «الفتح» (٩/ ٤٥٩).
(٢) أخرجه سعيد بن منصور (١٥٨٥) والطحاوي في «مشكل الآثار» (١٣/ ٣٠٣) من طريقين عن خصيف عنه. وسنده صحيح.
(٣) هذا اللفظ أخرجه الطبري في «التفسير» (١٩/ ١١٢) من طريق عباد بن منصور قال: سمعت عكرمة عن ابن عباس. وعباد يكتب حديثه، وليس بالقوي، وقد صرَّح هنا بالسماع فانتفت شبهة تدليسه، وقد توبع؛ إلا في ألفاظ يسيرة خولف فيها. كما سبقت الإشارة إلى ذلك.