للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أهل الحديث: من العجب أن يُنكِر علينا القولَ بالقافة ويجعلها من باب الحدس والتَّخمين من يُلحِق ولدَ المشرقيِّ بمن في أقصى المغرب، مع القطع بأنَّهما لم يتلاقيا طرفةَ عينٍ (١)، ويُلحِق الولد باثنين (٢) مع القطع بأنَّه ليس ابنًا لأحدهما. هذا، ونحن إنَّما ألحقنا الولد بقول القائف المستند إلى الشَّبه المعتبر شرعًا وقدرًا، فهو استنادٌ إلى ظنٍّ غالبٍ ورأيٍ راجحٍ وأمارةٍ ظاهرةٍ، بقول من هو من أهل الخبرة، فهو أولى بالقبول من قول المقوِّمين. وهل يُنكَر مجيء كثيرٍ من الأحكام مستندًا إلى الأمارات الظَّاهرة والظَّنون الغالبة؟

وأمَّا وجود الشَّبه بين الأجانب (٣) وانتفاؤه بين الأقارب وإن كان واقعًا فهو من أندرِ شيءٍ وأقلِّه، والأحكام إنَّما هي للغالب الكثير، والنَّادر في حكم المعدوم.

وأمَّا قصَّة من ولدتْ امرأتُه غلامًا أسود، فهي حجَّةٌ عليكم؛ لأنَّها دليلٌ على أنَّ العادة التي فطر الله عليها النَّاس اعتبارُ الشَّبه، وأنَّ خلافه يوجب رِيبةً، وأنَّ في طباع الخلق إنكارَ ذلك، ولكن لمَّا عارضَ ذلك دليلٌ أقوى منه وهو الفراش كان الحكم للدَّليل القويِّ، وكذلك نقول نحن وسائر النَّاس: إنَّ الفراش الصَّحيح إذا كان قائمًا فلا يُعارَض بقافةٍ ولا شبهٍ، فمخالفةُ (٤) ظاهر الشَّبه لدليلٍ أقوى منه ــ وهو الفراش ــ غير مستنكرٍ، وإنَّما المستنكر مخالفة


(١) انظر: «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٥٥٠).
(٢) م، ص، ح: «بأمين».
(٣) م: «الأحاديث». وصُوِّب في الهامش.
(٤) م: «بمخالفة».