للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الدَّليل الظَّاهر لغيرِ شيءٍ.

وأمَّا تقديم اللِّعان على الشَّبه وإلغاء الشَّبه مع وجوده، فكذلك أيضًا هو من تقديم أقوى الدَّليلين على أضعفهما، وذلك لا يمنع العمل بالشَّبه مع عدم ما يعارضه، كالبيِّنة تُقدَّم على اليد والبراءة الأصليَّة، ويُعمل بهما عند عدمها (١).

وأمَّا ثبوت نسب أسامة من زيد بدون القيافة، فنحن لم نُثبِت نسبه بالقيافة، والقيافة دليلٌ آخر موافقٌ لدليل الفراش، فسرور النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وفرحُه بها واستبشاره لتعاضُدِ أدلَّة النَّسب وتظافُرها (٢)، لا لإثبات النَّسب بقول القائف وحده، بل هو من باب الفرح بظهور أعلامِ الحقِّ وأدلَّتِه وتكاثرِها، ولو لم تصلح القيافة دليلًا لم يَفْرَحْ بها ولم يُسَرَّ. وقد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفرح ويُسَرُّ إذا تعاضدت عنده أدلَّة الحقِّ، ويخبر بها الصَّحابة، ويحبُّ أن يسمعوها من المخبر بها؛ لأنَّ النُّفوس تزداد تصديقًا بالحقِّ إذا تعاضدت أدلَّته وتُسَرُّ به وتفرح، وعلى هذا فطر الله عباده، فهذا حكمٌ اتَّفقت عليه الفطرة والشِّرعة. وباللَّه التَّوفيق.

وأمَّا ما رُوي عن عمر أنَّه قال: «وَالِ (٣) أيَّهما شئتَ»، فلا تُعرف صحَّته عن عمر، ولو صحَّ عنه لكان قولًا عنه، فإنَّ ما ذكرناه عنه في غاية الصِّحَّة، مع أنَّ قوله: «وَالِ أيَّهما شئتَ» ليس بصريحٍ في إبطال قول القائف، ولو كان


(١) أي: يُعمل باليد والبراءة الأصلية عند عدم البينة. وفي النسخ والمطبوع: «ويعمل بهما عند عدمهما»، خطأ.
(٢) في المطبوع: «وتضافرها». وورد في المعاجم بالوجهين بمعنى التعاون.
(٣) في النسخ: «والي». وهي صيغة أمر للمذكر، فتُحذف حرف العلة من آخرها.