للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنَّ وَطْءَ الثَّاني يزيد في سمع الولد وبصره، وقد شبَّهه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بسَقْي الزَّرع (١)، ومعلومٌ أنَّ سَقْيه يزيد في ذاته، والله أعلم.

فإن قيل: فقد دلَّ الحديث على حكم استلحاق الولد، وعلى أنَّ الولد للفراش، فما تقولون لو استلحقَ الزَّاني ولدًا لا فِراشَ هناك يعارضه، هل يَلحقه نسبُه ويثبت له أحكام النَّسب؟

قيل: هذه مسألةٌ جليلةٌ اختلف فيها أهل العلم، فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أنَّ المولود من الزِّنا إذا لم يكن مولودًا على فراشٍ يدَّعيه صاحبه، وادَّعاه الزَّاني= أُلحق به، وأَوَّل قولَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «الولد للفراش» على أنَّه حكم بذلك عند تنازع الزَّاني وصاحب الفراش، كما تقدَّم. وهذا مذهب الحسن البصريِّ، رواه عنه إسحاق بإسناده في رجلٍ زنى بامرأةٍ، فولدت ولدًا فادَّعى ولدَها، قال: «يُجلد ويَلزمه الولد» (٢). وهذا مذهب عروة بن الزُّبير وسليمان بن يسارٍ، ذكر عنهما أنَّهما قالا: أيُّما رجلٍ أتى إلى غلامٍ يزعم أنَّه ابنٌ له، وأنَّه زنى بأمِّه، ولم يدَّع ذلك الغلامَ أحدٌ، فهو ابنه (٣). واحتجَّ سليمان بأنَّ عمر بن الخطَّاب كان يُلِيطُ (٤) أولادَ الجاهليَّة بمن ادَّعاهم في


(١) في الحديث الذي أخرجه أبو داود (٢١٥٨) والترمذي وحسَّنه (١١٣١)، وابن حبان (٤٨٥٠) من حديث رُويفع بن ثابت - رضي الله عنه -.
(٢) حكاه عنه ابن قدامة في «المغني» (٩/ ١٢٣)، ونقله ابن مفلح في «الفروع» (٥/ ٤٠٢).
(٣) أخرجه الدارمي (٣١٤٨) من طريق بكير الأشج عنهما، وفي سنده عبد الله بن صالح، وهو صدوق كثير الغلط، وفيه ضعف، ولم أقف على أثر الحسن قبله.
(٤) أي: يُلحق وينسب.