للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انعقاده من ماء الأمِّ، فدلَّ على إمكان انعقاده من ماء ثلاثةٍ، وما زاد على ذلك فمشكوكٌ فيه.

قال المُلحِقون له بأكثر من ثلاثةٍ: إذا جاز خلقُه (١) من ماء رجلين وثلاثةٍ جاز خلقه من ماء أربعةٍ وخمسةٍ، ولا وجهَ لاقتصاره على ثلاثةٍ فقط، بل إمَّا أن يُلحَق بهم وإن كثروا، وإمَّا أن لا يُتعدَّى به واحدٌ، ولا قول سوى القولين. والله أعلم.

فإن قيل: إذا اشتمل الرَّحِم على ماء الرَّجل وأراد الله أن يخلق منه الولد، انضمَّ عليه أحكمَ انضمامٍ وأتمَّه حتَّى لا يفسد، فكيف يدخل عليه ماءٌ آخر؟

قيل: لا يمتنع أن يصل الماء الثَّاني إلى حيث وصل الأوَّل فيضمَّ (٢) عليهما، وهذا كما أنَّ الولد ينعقد من ماء الأبوين، وقد سبق ماء الرَّجل ماءَ المرأة أو بالعكس، ومع هذا فلا يمتنع وصول الماء الثَّاني إلى حيث وصل الأوَّل. وقد عُلِم بالعادة أنَّ الحامل إذا تُوبع وطؤها جاء الولد عَبْلَ الجسم (٣) ما لم يعارض ذلك مانعٌ؛ ولهذا ألهم الله سبحانه الدَّوابَّ إذا حملت أن لا تُمكِّن الفحل أن يَنزُوَ عليها، بل تَنفِر عنه كلَّ النِّفار. وقال الإمام أحمد (٤):


(١) في المطبوع: «تخليقه».
(٢) في المطبوع: «فينضم». والمثبت من النسخ.
(٣) أي ضخم الجسم تامّ الخلق. وهذا مخالف لما عليه الطب القديم وعلم الأجنَّة الحديث، من أن علوق الولد يكون حين يمتزج ماء الرجل بماء المرأة، ثم تنطبق الرحم عليهما بعد ذلك الامتزاج، ولا يصل إليه ماء آخر، لا من ذلك الواطئ ولا من غيره.
(٤) نقله عنه المؤلف في «التبيان» (ص ٥٣٥) و «تهذيب السنن» (١/ ٤٥٩) وابن مفلح في «المبدع» (٦/ ٣٤٤).