للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغضب، وإعراضِه عمن أغضبه، وعدمِ اكتراثه به (١).

وأما بكاؤه - صلى الله عليه وسلم - فكان من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كان تدمع عيناه حتى تهمُلا (٢)، ويُسمَع لصدره أزيز. وكان بكاؤه تارةً رحمةً للميت، وتارةً خوفًا على أمته وشفقةً، وتارةً من خشية الله، وتارةً عند سماع القرآن وهو بكاءُ اشتياقٍ ومحبَّةٍ وإجلالٍ مصاحبٍ للخوف والخشية.

ولما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه، وبكى رحمةً له، وقال: «تدمَع العينُ ويحزَن القلبُ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا؛ وإنَّا بك يا إبراهيم لمحزونون» (٣).

وبكى لمَّا شاهد إحدى بناته، ونفسُها تفيض (٤). وبكى لما قرأ عليه ابنُ مسعود سورة النساء، وانتهى فيها إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: ٤١] (٥). وبكى لما مات عثمان بن مظعون (٦). وبكى لما كسَفت الشمسُ، فصلَّى صلاة الكسوف


(١) سيذكر المصنف تبسُّمَ الغضب مرة أخرى (٣/ ٧٢٥).
(٢) في النسخ: «يهملا»، وأصلح في ع. وهملت العينُ همَلانًا: فاضت.
(٣) أخرجه البخاري (١٣٠٣) ومسلم (٢٣١٥) من حديث أنس بن مالك، واللفظ لأحمد (١٣٠١٤).
(٤) أخرجه البخاري (٥٦٥٥) ومسلم (٩٢٣) من حديث أسامة بن زيد، وعندهما أنه شاهد ابنًا أو ابنة لإحدى بناته.
(٥) أخرجه البخاري (٥٠٥٠).
(٦) أخرجه أحمد (٢٤١٦٥) وأبو داود (٣١٦٣) والترمذي (٩٨٩) وابن ماجه (١٤٥٦) من طريق عاصم بن عبيد الله عن القاسم عن عائشة. إسناده ضعيف، فيه عاصم بن عبيد الله ــ وهو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب ــ مجمع على ضعفه، وقد اضطرب فيه، يبينه ما أخرجه البزار (٣٨٢١) من طريق عاصم هذا عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه؛ فالحديث مضطرب ضعيف.