للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمرو بن شعيبٍ صحيفةٌ، وحديث أبي سلمة هذا مرسلٌ، وفيه مجهولٌ. والاعتراضان ضعيفان، فقد بيَّنَّا (١) احتجاج الأئمَّة بعمرو في تصحيحهم حديثه، وإذا تعارض معنا في الاحتجاج برجلٍ قولُ ابن حزمٍ وقول البخاريِّ وأحمد وابن المدينيِّ والحُميدي وإسحاق بن راهويه وأمثالهم، لم يُلتفت إلى سواهم.

وأمَّا حديث أبي سلمة هذا، فإنَّ أبا سلمة من كبار التَّابعين، وقد حكى القصَّةَ عن الأنصاريَّة، ولا يُنكَر لقاؤه لها، فلا يتحقَّق الإرسال، ولو تحقَّق فمرسلٌ جيِّدٌ، له شواهد مرفوعةٌ وموقوفةٌ، وليس الاعتماد عليه وحده، وعنى بالمجهول الرَّجلَ الصَّالح الذي شهد له أبو الزبير بالصَّلاح، ولا ريبَ أنَّ هذه الشَّهادة لا تعرِّف به، ولكنَّ المجهول إذا عدَّله الرَّاوي عنه الثِّقة ثبتت عدالته، وإن كان واحدًا على أصحِّ القولين، فإنَّ التَّعديل من باب الإخبار والحكم لا من باب الشَّهادة، ولا سيَّما التَّعديل في الرِّواية، فإنَّه يُكتفى فيه بالواحد، ولا يزيد على أصل نصاب الرِّواية. هذا مع أنَّ أحد القولين: إنَّ مجرَّد رواية العدل عن غيره تعديلٌ له، وإن لم يصرِّح بالتَّعديل، كما هو إحدى الرِّوايتين عن أحمد. وأمَّا إذا روى عنه وصرَّح بتعديله (٢)، خرج عن الجهالة الَّتي تُردُّ لأجلها روايته، لا سيَّما إذا لم يكن معروفًا بالرِّواية عن الضُّعفاء والمتَّهمين.

وأبو الزبير وإن كان فيه تدليسٌ فليس معروفًا بالتَّدليس عن المتَّهمين والضُّعفاء، بل تدليسه من جنس تدليس السَّلف، لم يكونوا يدلِّسون عن متَّهمٍ


(١) ز، ح: «بيِّن».
(٢) بعدها في المطبوع: «فقد» وليست في النسخ.