للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا مجروحٍ، وإنَّما كثر هذا النَّوع من التَّدليس في المتأخِّرين.

واحتجَّ أبو محمد على قوله بما رواه من طريق البخاريِّ، عن عبد العزيز بن صُهيبٍ عن أنس قال: قدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ وليس له خادمٌ، فأخذ أبو طلحة بيدي، وانطلق بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللَّه، إنَّ أنسًا غلامٌ كيِّسٌ، فليخدِمْك. قال: فخدمتُه في السَّفر والحضر (١). وذكر الخبر.

قال أبو محمد (٢): فهذا أنس في حضانة أمِّه، ولها زوجٌ، وهو أبو طلحة بعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وهذا الاحتجاج في غاية السُّقوط، والخبر في غاية الصِّحَّة، فإنَّ أحدًا من أقارب أنسٍ لم ينازع أمَّه فيه إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو طفلٌ صغيرٌ لم يُثْغَر (٣)، أو لم يأكلْ وحده ويشربْ وحده، أو لم يُميِّز، وأمُّه مزوَّجةٌ فحكم به لأمِّه. وإنَّما يتمُّ الاستدلال بهذه المقدِّمات كلِّها، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا قدم المدينة كان لأنسٍ من العمر عشرُ سنين، وكان عند أمِّه، فلمَّا تزوَّجت أبا طلحة لم يأتِ أحدٌ من أقارب أنس ينازعها (٤) في ولدها ويقول: قد تزوَّجتِ فلا حضانة لكِ، وأنا أطلب انتزاعَه منكِ. ولا ريبَ أنَّه لا يحرم على المرأة المزوَّجة حضانةُ ابنها إذا اتَّفقت هي والزَّوج وأقارب الطِّفل على ذلك، ولا ريبَ أنَّه لا يجب بل لا يجوز أن يُفرَّق بين الأمِّ وولدها إذا تزوَّجت من غير أن يخاصِمَها من له الحضانة،


(١) أخرجه البخاري (٦٩١١)، ومسلم (٢٣٠٩).
(٢) في «المحلى» (١٠/ ٣٢٥).
(٣) أي لم تسقط ثنيتاه.
(٤) ز: «لم ينازعها»، خطأ.