للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عند من هو أنفع له وخير، ولا تحتمل الشَّريعة غير هذا. والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد قال: «مُرُوهم بالصَّلاة لسبعٍ، واضرِبوهم على تَرْكِها لعشرٍ، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع» (١). والله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: ٦]، قال الحسن (٢): علِّموهم وأدِّبوهم وفقِّهوهم. فإذا كانت الأمُّ تتركه في المكتب، وتُعلِّمه القرآن، والصَّبيُّ يُؤثِر اللَّعب ومعاشرةَ أقرانه، وأبوه يُمكِّنه من ذلك، فأمُّه (٣) أحقُّ به، فلا تخييرَ ولا قرعةَ، وكذلك العكس، ومتى أخلَّ أحد الأبوين بأمر الله ورسوله في الصَّبيِّ وعطَّله، والآخر مُراعٍ له، فهو أحقُّ وأولى به.

وسمعت شيخنا - رضي الله عنه - يقول: تنازع أبوان صبيًّا عند بعض الحكَّام، فخيَّره بينهما، فاختار أباه، فقالت له أمُّه: سَلْه لأيِّ شيءٍ يختار أباه، فسأله فقال: أمِّي تبعثني كلَّ يومٍ إلى الكُتَّاب، ويضربني الفقيه، وأبي يتركني ألعبُ مع الصِّبيان، فقضى به للأمِّ، وقال: أنتِ أحقُّ به.

قال شيخنا (٤): وإذا ترك أحد الأبوين تعليمَ الصَّبيِّ وأَمْرَه الذي أوجبه الله عليه، فهو عاصٍ، ولا ولايةَ له عليه، بل كلُّ من لم يقُمْ بالواجب في ولايته فلا ولاية له، بل إمَّا أن يُرفَع يده عن الولاية ويُقام من يفعل الواجب، وإمَّا أن


(١) أخرجه أحمد (٦٦٨٩) وأبو داود (٤٩٥، ٤٩٦) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وإسناده حسن.
(٢) لم أجده. وروى الطبري في «تفسيره» (٢٣/ ١٠٣) والحاكم في «المستدرك» (٢/ ٤٩٤) عن علي بنحوه.
(٣) في المطبوع: «فإنه»، تحريف يفسد المعنى.
(٤) «جامع المسائل» (٣/ ٤٢١).