في طبعها، بخلاف الأب؛ ولهذا المعنى وغيره جعل الشَّارع تزويجَها إلى أبيها دون أمِّها، ولم يجعل لأمِّها ولايةً على بُضْعها البتَّةَ، ولا على مالها، فكان من محاسن الشَّريعة أن تكون عند أمِّها ما دامت محتاجةً إلى الحضانة والتَّربية، فإذا بلغت حدًّا تُشتهى فيه وتَصلُح للرِّجال فمن محاسن الشَّريعة أن تكون عند من هو أغيرُ عليها، وأحرصُ على مصلحتها، وأصونُ لها من الأمِّ.
قالوا: ونحن نرى في طبيعة الأب وغيره من الرِّجال من الغيرة ــ ولو مع فسقه وفجوره ــ ما يحمله على قتل ابنته وأخته ومَولِيَّتِه إذا رأى منها ما يَرِيْبُه لشدَّة الغيرة، ونرى في طبيعة النِّساء من الانحلال والانخداع ضدَّ ذلك. قالوا: فهذا هو الغالب على النَّوعين، ولا عبرةَ بما خرج عن الغالب.
على أنَّا إذا قدَّمنا أحد الأبوين فلا بدَّ أن نراعي صيانتَه وحفظَه للطِّفل؛ ولهذا قال مالك والليث: إذا لم تكن الأمُّ في موضع حرزٍ وتحصينٍ، أو كانت غيرَ مرضيَّةٍ، فللأب أخذ البنت منها. وكذلك الإمام أحمد في الرِّواية المشهورة عنه، فإنَّه يعتبر قدرته على الحفظ والصِّيانة. فإن كان مُهْمِلًا لذلك، أو عاجزًا عنه، أو غيرَ مرضيٍّ، أو ذا دِياثةٍ، والأمُّ بخلافه= فهي أحقُّ بالبنت بلا ريبٍ، فمن قدَّمناه بتخييرٍ أو قرعةٍ أو بنفسه فإنَّما نقدِّمه إذا حصلت به مصلحة الولد، ولو كانت الأمُّ أصْوَنَ من الأب وأغْيَرَ (١) منه قُدِّمت عليه، ولا التفاتَ إلى قرعةٍ ولا اختيار الصَّبيِّ في هذه الحال، فإنَّه ضعيف العقل يُؤثِر البطالة واللَّعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك لم يُلتفَت إلى اختياره،