للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس في شيءٍ من الأحاديث ما يدلُّ على ذلك. ونحن نقول (١): إذا صار للغلام اختيارٌ معتبرٌ خيِّر بين أبويه، وإنَّما يُعتبر اختياره إذا اعتُبِر قوله، وذلك بعد البلوغ، وليس تقييدكم وقتَ التَّخيير بالسَّبع أولى من تقييدنا بالبلوغ، بل التَّرجيح من جانبنا؛ لأنَّه حينئذٍ يُعتَبر قوله. ويدلُّ عليه قولها: «وقد سَقاني من بئر أبي عِنَبة»، وهي على أميالٍ من المدينة (٢)، وغير البالغ لا يتأتَّى منه عادةً أن يحمل الماء من هذه المسافة ويستقي من البئر. سلَّمنا أنَّه ليس في الحديث ما يدلُّ على البلوغ، فليس فيه ما ينفيه، والواقعة واقعةُ عينٍ، وليس عن الشَّارع نصٌّ عامٌّ في تخيير من هو دون البلوغ حتَّى يجب المصير إليه. سلَّمنا أنَّ فيه ما ينفي البلوغ، فمن أين فيه ما يقتضي التَّقييدَ بسبعٍ كما قلتم؟

قالت الشَّافعيَّة والحنابلة ومن قال بالتَّخيير: لا يتأتَّى لكم الاحتجاجُ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنتِ أحقُّ به ما لم تنكحي» بوجهٍ من الوجوه، فإنَّ منكم من يقول: إذا استغنى بنفسه، وأكل بنفسه، وشرب بنفسه، فالأب أحقُّ به بغير تخييرٍ، ومنكم من يقول: إذا أَثْغَر (٣) فالأب أحقُّ به.

فنقول: فالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم لها به ما لم تنكح، ولم يُفرِّق بين أن تنكح قبل بلوغ الصَّبيِّ السِّنَّ الذي يكون عنده أو بعدها (٤)، وحينئذٍ فالجواب يكون مشتركًا بيننا وبينكم، ونحن فيه على سواءٍ، فما أجبتم به أجاب به منازعوكم سواء، فإن أضمرتم أضمروا، وإن قيَّدتم قيَّدوا، وإن خصَّصتم خصَّصوا.


(١) «نقول» ليست في د.
(٢) في «معجم البلدان» (١/ ٣٠١): «بينها وبين المدينة مقدار ميل».
(٣) م، ح: «إذا تغير»، تصحيف.
(٤) د: «أو عندها».