والثَّاني: أنَّها أحقُّ به ما لم تنكح، وكونها أحقَّ به له حالتان، إحداهما: أن يكون الولد صغيرًا لم يميِّز، فهي أحقُّ به مطلقًا من غير تخييرٍ. الثَّاني: أن يبلغ سنَّ التَّمييز، فهي أحقُّ به أيضًا، ولكنَّ هذه الأولويَّة مشروطةٌ بشرطٍ، والحكم إذا عُلِّق بشرطٍ صدق إطلاقه اعتمادًا على تقرير الشَّرط، وحينئذٍ فهي أحقُّ به بشرط اختياره لها، وغاية هذا أنَّه تقييدٌ للمطلق بالأدلَّة الدَّالَّة على التخيير. ولو حُمِل على إطلاقه ــ وليس بممكنٍ البتَّةَ ــ لاستلزمَ (١) ذلك إبطالَ أحاديث التَّخيير.
وأيضًا فإذا كنتم قد قيَّدتموه بأنَّها أحقُّ به إذا كانت مقيمةً وكانت حرَّةً ورشيدةً وغير ذلك من القيود الَّتي لا ذِكْرَ لشيءٍ منها في الأحاديث البتَّةَ= فتقييده بالاختيار الذي دلَّت عليه السُّنَّة واتَّفق عليه الصَّحابة أولى.
وأمَّا حَمْلُكم أحاديثَ التَّخيير على ما بعد البلوغ، فلا يصحُّ لخمسة أوجهٍ:
أحدها: أنَّ لفظ الحديث أنَّه خيَّر غلامًا بين أبويه، وحقيقة الغلام من لم يبلغ، فحملُه على البالغ إخراجٌ له عن حقيقته إلى مجازه بغير مُوجِبٍ ولا قرينةٍ صارفةٍ.
الثَّاني: أنَّ البالغ لا حضانةَ عليه، فكيف يصحُّ أن يُخيَّر ابنُ أربعين سنةً بين أبويه؟ هذا من الممتنع شرعًا وعادةً، فلا يجوز حملُ الحديث عليه.