للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن له شاويشٌ (١)

يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته. ولم يكن يلبس لباس الخطباء اليوم، لا طَرْحةً ولا زِيقًا (٢) واسعًا.

وكان منبره ثلاث درجات، فإذا استوى عليه واستقبل الناسَ أخذ المؤِّذنُ في الأذان فقط، ولم يقل شيئًا قبله، ولم يقل شيئًا بعده. فإذا أخذ في الخطبة لم يرفع أحد صوته بشيء البتة لا مؤذِّن ولا غيره.

وكان إذا قام يخطب أخذ عصًا، فتوكَّأ عليها، وهو على المنبر. كذا ذكر أبو داود (٣) عن ابن شهاب. وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك. وكان أحيانًا يتوكَّأ على قوس.

ولم يُحفَظ عنه أنه توكأ على سيف. وكثير من الجهلة يظنُّ أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارةً إلى أن الدين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح من وجهين:


(١) ويقال: «جاويش». وأصله: چـاؤُش بالجيم الفارسية، كلمة تركية معناها في الأصل: الحاجب. وكانت وظيفة الشاويشية (جمع الشاويش) أن يسيروا بين يدي السلطان ويعلنوا بنزوله وركوبه بصوت عالٍ. قال المصنف في نونيته (٣/ ٧٦٣):
والله لو جئتم بقال الله أو ... قال الرسول كفعل ذي الإيمانِ
كنّا لكم شاويشَ تعظيمٍ وإجْـ ... ـلالٍ كشاويشٍ لذي السلطانِ

وقد تنوعت وتطورت وظائفهم مع الزمن. انظر: «حدائق الياسمين» لابن كنان (ص ٦٦) و «معجم الألفاظ التاريخية» للأستاذ محمد أحمد دهمان (ص ٥١).
(٢) الطَّرحة: الطيلَسان، وهو كساء يلقى على الكتف. وزِيق القميص: ما أحاط بالعنق منه.
(٣) في «المراسيل» (٥٥).