للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خبزًا ولحمًا، أو خبزًا ومَرَقًا ونحوه= لكانوا ممدوحين داخلين فيمن أثنى عليهم. وهو سبحانه عَدَلَ عن الطَّعام الذي هو اسمٌ للمأكول إلى الإطعام الذي هو مصدرٌ صريحٌ، وهذا نصٌّ في أنَّه إذا أطعم المساكين ولم يُمَلِّكهم فقد امتثل ما أُمِر به، وصحَّ في كلِّ لغةٍ وعرفٍ: أنَّه أطعمهم.

قالوا: وفي أيِّ لغةٍ لا يَصدُق لفظ الإطعام إلا بالتَّمليك؟ ولمَّا قال أنس: إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أطعم الصَّحابة في وليمة زينبَ خبزًا ولحمًا (١)، كان قد اتَّخذ طعامًا ودعاهم إليه على عادة الولائم، وكذلك قوله في وليمة صفية: أَطعَمَهم حَيْسًا (٢)، وهذا أظهر من أن نذكر شواهده.

قالوا: وقد زاد ذلك إيضاحًا وبيانًا بقوله: {مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ (٣)} [المائدة: ٨٩]، ومعلومٌ يقينًا أنَّ الرَّجل إنَّما يُطعِم أهلَه الخبزَ واللَّحم والمَرَق واللَّبنَ ونحو ذلك، فإذا أطعم المساكينَ من ذلك فقد أطعمهم من أوسط ما يُطعِم أهلَه بلا شكٍّ، ولهذا اتَّفق الصَّحابة في طعام الأهل على أنَّه غير مقدَّرٍ كما تقدَّم، والله سبحانه جعله أصلًا لطعام الكفَّارة، فدلَّ بطريق الأولى على أنَّ طعام الكفَّارة غير مقدَّرٍ.

وأمَّا من قدَّر طعام الأهل فإنَّما أخذ من تقدير طعام الكفَّارة، فيقال: هذا خلاف مقتضى النَّصِّ، فإنَّ الله أطلق طعام الأهل وجعله أصلًا لطعام الكفَّارة، فعُلِم أنَّ طعام الكفَّارة لا يتقدَّر كما لا يتقدَّر أصلُه، ولا يُعرَف عن


(١) أخرجه البخاري (٤٧٩٤)، ومسلم (١٤٢٨).
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٣٥)، ومسلم (١٣٦٥).
(٣) بعدها في د، ص: «أَهْلِيكُمْ أَوْ».