للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وأمَّا الإطعام في فدية الأذى فليس من هذا الباب؛ فإنَّ الله سبحانه قال: {رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦]، والله سبحانه أطلق هذه الثَّلاثة ولم يُقيِّدها. وصحَّ (١) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تقييد الصِّيام بثلاثة أيَّامٍ، وتقييد النُّسك بذبح شاةٍ، وتقييد الإطعام بستَّة مساكين لكلِّ مسكينٍ نصف صاعٍ (٢)، ولم يقل سبحانه في فدية الأذى: فإطعام ستَّة مساكين، ولكن أوجب صدقةً مطلقةً وصومًا مطلقًا ودمًا مطلقًا (٣)، فعيَّنه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالفَرق والثَّلاثة الأيَّام والشَّاة.

وأمَّا جزاء الصَّيد فإنَّه من غير هذا الباب، فإنَّ المُخرِج إنَّما يُخرِج قيمة الصَّيد من الطَّعام، وهي تختلف بالقلَّة والكثرة، فإنَّها بدلُ مُتْلَفٍ، ولا يُنظَر فيها إلى عدد المساكين، وإنَّما يُنظَر فيها إلى مبلغ الطَّعام، فيُطعِمه المساكينَ على ما يرى من إطعامهم وتفضيل بعضهم على بعضٍ، فتقدير الطَّعام فيها على حسب المُتْلَف، وهو يقلُّ ويكثر، وليس ما يُعطاه كلُّ مسكينٍ مقدَّرًا.

ثمَّ إنَّ التَّقدير بالحبِّ يستلزم أمرًا باطلًا بيِّنَ البطلان، فإنَّه إذا كان الواجب لها عليه شرعًا الحبَّ، وأكثر النَّاس إنَّما يُطعِم أهلَه الخبز، فإن جعلتم هذا معاوضةً كان ربًا ظاهرًا، وإن لم تجعلوه معاوضةً فالحبُّ ثابتٌ لها في ذمَّته، ولم تَعْتَضْ عنه، فلا تبرأ ذمَّته منه إلا بإسقاطها وإبرائها، فإذا


(١) «وصح» ليست في ح.
(٢) كما في حديث كعب بن عجرة الذي أخرجه البخاري (١٨١٦، ٤٥١٧)، وقد تقدم (ص ٩٠).
(٣) «ودمًا مطلقًا» ليست في ز.