للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم (١) تُبرِئْه طالبتْه بالحبِّ مدَّةً طويلةً مع إنفاقه عليها كلَّ يومٍ حاجتَها من الخبز والأُدْمِ، وإن مات أحدهما كان الحبُّ دَينًا له أو عليه، يؤخذ من التَّركة، مع سعة الإنفاق عليها كلَّ يومٍ. ومعلومٌ أنَّ الشَّريعة الكاملة المشتملة على العدل والحكمة والمصلحة تأبى ذلك كلَّ الإباء، وتدفعه كلَّ الدَّفع، كما يدفعه العقل والعرف.

ولا يمكن أن يقال: إنَّ النَّفقة الَّتي في ذمَّته تَسقُط بالَّذي له عليها من الخبز والأُدْم لوجهين، أحدهما: أنَّه لم يبعه إيَّاها، ولا اقترضها إيّاه منها حتَّى يثبت في ذمَّتها، بل هي معه فيه على حكم الضَّيف لامتناع المعاوضة عن الحبِّ بذلك شرعًا. ولو قُدِّر ثبوته في ذمَّتها لما أمكنت المُقاصَّة لاختلاف الدَّيْنَينِ جنسًا، والمقاصَّة تعتمد اتِّفاقهما. هذا، وإن قيل بأحد الوجهين إنَّه لا يجوز المعاوضة على النَّفقة مطلقًا لا بدراهمَ ولا غيرِها، لأنَّه معاوضةٌ عمَّا لم يَستقرَّ ولم يجب، فإنَّها إنَّما تجب شيئًا فشيئًا، فعنده لا تصحُّ المعاوضة عليها حتَّى تستقرَّ بمضيِّ الزَّمان، فيعاوض عنها كما يعاوض عمَّا هو مستقرٌّ في الذِّمَّة من الدُّيون.

ولمَّا لم يجد بعض أصحاب الشَّافعيِّ من هذا الإشكال مَخْلَصًا قال: الصَّحيح أنَّها إذا أكلتْ سقطتْ نفقتُها. قال الرافعي في «محرَّره» (٢): أولى الوجهين السُّقوط، وصحَّحه النووي (٣) لجريان النَّاس عليه في كلِّ عصرٍ


(١) «لم» ليست في ز.
(٢) (ص ٣٧٥).
(٣) في «روضة الطالبين» (٩/ ٥٣).