للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كلُّه تفسيرٌ لقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: ٣٦]، وقوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: ٢٦]، فجعل سبحانه حقَّ ذي القربى يلي حقَّ الوالدين كما جعله النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سواءً بسواء، وأخبر سبحانه أنَّ لذي القربى حقًّا على قرابته، وأمر بإيتائِه (١) إيَّاه، فإن لم يكن ذلك حقَّ النَّفقة فلا ندري أيُّ حقٍّ هو. وأمر تعالى بالإحسان إلى ذي القربى، ومن أعظم الإساءة أن يراه يموت جوعًا وعُرْيًا وهو قادرٌ على سَدِّ خَلَّته وستْرِ عورته، ولا يُطعِمه لقمةً ولا يستر له عورةً إلا بأن يُقرِضه ذلك في ذمَّته.

وهذا الحكم من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مطابقٌ لكتاب الله تعالى حيث يقول: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣]. فأوجب سبحانه على الوارث مثلَ ما أوجب على المولود له، وبمثل هذا الحكم حكَمَ أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب. فروى سفيان بن عيينة عن ابن جريجٍ عن عمرو بن شعيبٍ عن سعيد بن المسيَّب أنَّ عمر حَبَسَ (٢) عَصَبَةَ صبيٍّ على أن ينفقوا عليه، الرِّجال دون النِّساء (٣).


(١) في المطبوع: «بإتيانه»، تصحيف.
(٢) كذا في النسخ و «الأموال» و «المحلى». وفي المصادر الأخرى: «جَبَرَ».
(٣) أخرجه سعيد بن منصور (٢/ ١٤٤) ــ ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٧٨٦) ــ وابن زنجويه في «الأموال» (٨٦٨) وابن حزم في «المحلى» (٩/ ٢٦٩).