للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال القاضي أبو يعلى (١): وكذلك يجيء في كلِّ من لزمته نفقته من أخٍ أو عمٍّ أو غيرهما يلزمه إعفافه؛ لأنَّ أحمد قد نصَّ في العبد: يلزمه أن يُزوِّجه إذا طلب ذلك وإلَّا بِيعَ عليه. وإذا لزمه إعفافُ رجلٍ لزِمَه نفقةُ زوجته؛ لأنَّه لا يتمكّن (٢) من الإعفاف إلا بذلك.

وهذه غير المسألة المتقدَّمة وهي وجوب الإنفاق على زوجة المنفَق عليه، ولهذه مأخذٌ ولتلك مأخذٌ.

وهذا مذهب الإمام أحمد، وهو أوسع من مذهب أبي حنيفة، وإن كان مذهب أبي حنيفة أوسعَ منه من وجهٍ آخر، حيث يوجب النَّفقة على ذوي الأرحام، وهو الصَّحيح في الدَّليل، وهو الذي تقتضيه أصول أحمد ونصوصه وقواعد الشَّرع، وصلة الرَّحم الَّتي أمر الله أن تُوصل، وحرَّم الجنَّة على كلِّ قاطع رَحِمٍ. فالنَّفقة تُستَحقُّ بشيئين (٣): بالميراث بكتاب اللَّه، وبالرَّحم بسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد تقدَّم أنَّ عمر بن الخطَّاب حَبَس عصبةَ صبيٍّ أن ينفقوا عليه وكانوا بني عمِّه، وتقدَّم قول زيد بن ثابتٍ: إذا كان عمٌّ وأمٌّ فعلى العمِّ بقدر ميراثه، وعلى الأمِّ بقدر ميراثها (٤). فإنَّه لا مخالفَ لهما في الصَّحابة البتَّةَ، وهو قول جمهور السَّلف، وعليه يدلُّ قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: ٢٦]، وقوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: ٣٦]. وقد أوجب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - العطيَّةَ للأقارب، وصرَّح بأنسابهم فقال: «أختَك


(١) كما في «المغني» (١١/ ٣٨٠).
(٢) في المطبوع: «يمكن» خلاف النسخ و «المغني».
(٣) ح: «بسببين».
(٤) تقدم تخريجهما (ص ١٤٨).