يحرم بالمصاهرة، ولا ذكره الله سبحانه في كتابه كما ذكر تحريم الصِّهر، ولا ذكر تحريم الجمع في الرَّضاع كما ذكره في النَّسب، والصِّهر قسيم النَّسب وشقيقه، قال تعالى: {(٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤]، فالعلاقة بين النَّاس بالنَّسب والصِّهر، وهما سببا التَّحريم، والرَّضاع فرعٌ على النَّسب، ولا تُعقَل المصاهرة إلا بين الأنساب. والله تعالى إنَّما حرَّم الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمَّتها، وبينها وبين خالتها لئلَّا يُفضِي إلى قطيعة الرَّحم المحرَّمة.
ومعلومٌ أنَّ الأختين من الرَّضاع ليس بينهما رَحِمٌ محرَّمةٌ في غير النِّكاح، ولا رُتِّب على ما بينهما من أخوَّة الرَّضاع حكمٌ واحدٌ قطُّ غير تحريم أحدهما على الآخر، فلا يَعتِق عليه بالملك، ولا يَرِثُه، ولا يستحقُّ النَّفقة عليه، ولا يثبت له عليه ولاية النِّكاح ولا الموت، ولا يَعْقِل عنه، ولا يدخل في الوصيَّة والوقف على أقاربه وذوي رَحِمه، ولا يحرم التَّفريق بين الأمِّ وولدها الصَّغير من الرَّضاعة، ويحرم من النَّسب، والتَّفريق بينهما في الملك كالجمع بينهما في النِّكاح سواءٌ، ولو ملك شيئًا من المحرَّمات بالرَّضاع لم يعتق عليه بالملك، وإذا حرمتْ على الرَّجل أمُّه وبنته وأخته وعمَّته وخالته من الرَّضاعة لم يلزم أن يحرم عليه أمُّ امرأته الَّتي أرضعت امرأته، فإنَّه لا نسبَ بينه وبينها ولا مصاهرةَ ولا رضاعَ.
والرَّضاعة إذا جُعِلت كالنَّسب في حكمٍ لم يلزم أن تكون مثلَه في كلِّ حكمٍ، بل ما افترقا فيه من الأحكام أضعافُ ما اجتمعا فيه منها. وقد ثبت جواز الجمع بين اللَّتين بينهما مصاهرةٌ محرَّمةٌ، كما جمع عبد الله بن جعفر بين امرأة علي وابنتِه من غيرها (١)، وإن كان بينهما تحريمٌ يمنع جواز نكاح أحدها
(١) أخرجه سعيد بن منصور (١/ ٢٨٦)، ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ١٦٧) عن قثم مولى آل العباس.