للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالجملة، فثبوت أحكام النَّسب من وجهٍ لا يستلزم ثبوتَها من كلِّ وجهٍ أو من وجهٍ آخر، فهؤلاء نساء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هنَّ أمَّهات المؤمنين في التَّحريم والحرمة فقط، لا في المَحْرميَّة، فليس لأحدٍ أن يخلو بهنَّ ولا ينظر إليهنَّ، بل قد أمرهنَّ الله بالاحتجاب عمَّن حَرُم عليه نكاحهنَّ من غير أقاربهنَّ ومَن بينهنَّ وبينه رضاعٌ، فقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: ٥٣].

ثمَّ هذا الحكم لا يتعدَّى إلى أقاربهنَّ البتَّةَ، فليس بناتُهنَّ أخواتِ المؤمنين يَحرُمن على رجالهم، ولا بنوهنَّ إخوةً لهم يحرم عليهنَّ بناتهنَّ، ولا أخواتهنَّ وإخوتهنَّ خالاتٍ وأخوالًا، بل هنَّ حلالٌ للمسلمين باتِّفاق المسلمين. وقد كانت أم الفضل أختُ ميمونة زوجِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت العباس، وكانت أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة تحت الزبير، وكانت أم عائشة تحت أبي بكر، وأم حفصة تحت عمر، وليس للرجلِ أن يتزوَّج أمَّ أمِّه (١)، وقد تزوَّج عبد الله (٢) بن عمر وإخوته وأولاد أبي بكر وأولاد أبي سفيان من المؤمنات، ولو كانوا أخوالًا لهنَّ لم يجز أن ينكحوهنَّ، فلم تنتشر الحرمة من أمَّهات المؤمنين إلى أقاربهنَّ، ولا (٣) لزِمَ من ثبوت حكمٍ من أحكام النَّسب بين الأمَّة وبينهنَّ ثبوتُ غيره من الأحكام.

وممَّا يدلُّ على ذلك أيضًا قوله تعالى في المحرَّمات: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: ٢٣]. ومعلومٌ أنَّ لفظ «الابن» إذا


(١) في المطبوع: «يتزوج أمه» خلاف النسخ.
(٢) «عبد الله» ليست في د.
(٣) في المطبوع: «وإلا» خلاف النسخ.