للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبَنَاتُكُمْ (١) وَأَخَوَاتُكُمْ} ثمَّ قال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣]، فدلَّ على أنَّ لفظ «أمَّهاتنا» عند الإطلاق إنَّما يراد به الأمُّ من النَّسب. وإذا ثبت هذا فقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] مثل قوله: {وَأُمَّهَاتُكُمُ} إنَّما هنَّ أمَّهات نسائنا من النَّسب، فلا يتناول أمَّهاتهنَّ من الرَّضاعة، ولو أريد تحريمهنَّ لقال: «وأمَّهاتهنَّ اللَّاتي أرضعنهنَّ» كما ذكر ذلك في أمَّهاتنا. وقد بيَّنَّا أنَّ قوله: «يحرم من الرَّضاع ما يحرم من النَّسب» إنَّما يدلُّ على أنَّ من حَرُم على الرَّجل من النَّسب حَرُم عليه نظيره من الرَّضاعة، ولا يدلُّ على أنَّ من حرم عليه بالصِّهر أو بالجمع حرم عليه نظيره من الرَّضاعة، بل يدلُّ مفهومه على خلاف ذلك مع عموم قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤].

وممَّا يدلُّ على أنَّ تحريم امرأة أبيه وابنه من الرَّضاع ليس مسألة إجماعٍ: أنَّه قد ثبت عن جماعةٍ من السَّلف جوازُ نكاح بنت امرأته إذا لم تكن في حجره، كما صحَّ عن مالك بن أوس بن الحَدَثان النَّصْريِّ قال: كانت عندي امرأةٌ قد ولدتْ لي فتوفِّيتْ فوجدتُ عليها، فلقيتُ عليَّ بن أبي طالبٍ فقال لي: ما لك؟ قلت: توفِّيت المرأة، قال: لها ابنةٌ؟ قلت: نعم، قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا، هي في الطَّائف. قال: فانكِحْها، قلت: فأين قوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: ٢٣]؟ قال: إنَّها لم تكن في حجرك، وإنَّما ذلك إذا كانت في حجرك (٢).


(١) «وبناتكم» ليست في النسخ.
(٢) أخرجه عبد الرزاق (١٠٨٣٤)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (٣/ ٩١٢)، وقوَّى ابنُ كثير إسناده في «التفسير» (٢/ ٢٥٢)، وصححه ابن حجر في «الفتح» (٩/ ١٥٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٤٧٤).