للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«صحيح البخاريِّ» (١) من حديث الزُّهريِّ عن عروة أنَّ زينب بنت أم سلمة أخبرته أنَّ أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: يا رسول اللَّه، أُخبِرتُ أنَّك تخطب بنتَ أبي سلمة، فقال: بنت أم سلمة؟ قالت: نعم، فقال: «إنَّها لو لم تكن ربيبتي في حجري لما حلَّت لي». وهذا يدلُّ على اعتباره - صلى الله عليه وسلم - القيدَ الذي قيَّده الله في التَّحريم، وهو أن تكون في حجر الزَّوج. ونظير هذا سواءٌ أن يقال في زوجة ابن الصُّلب إذا كانت محرَّمةً برضاع: لو لم تكن حليلةَ ابني الذي لصلبي لما حلَّتْ لي، سواءٌ ولا فرقَ بينهما، وباللَّه التَّوفيق.

فصل

الحكم الثَّاني المستفاد من هذه السنن: أنَّ لبن الفحل يُحرِّم، وأنَّ التَّحريم ينتشر منه كما ينتشر من المرأة، وهذا هو الحقُّ الذي لا يجوز أن يقال بغيره، وإن خالف فيه من خالف من الصَّحابة ومن بعدهم، فسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحقُّ أن تُتَّبع ويُترَك كلُّ ما خالفها لأجلها، ولا تُترك هي لأجل قول أحدٍ كائنًا من كان. ولو تُرِكت السُّنن بخلاف (٢) من خالفها لعدم بلوغها له، أو لتأويله، أو لغير ذلك= لتُرِكتْ سننٌ كثيرةٌ جدًّا، وتُرِكت الحجَّة إلى غيرها، وقولُ من يجب اتِّباعه إلى قول من لا يجب اتِّباعه، وقول المعصوم إلى قول غير المعصوم، وهذه بليَّةٌ نسأل الله العافية منها، وأن لا نلقاه بها يوم القيامة.

قال الأعمش: كان عُمارة وإبراهيم وأصحابنا لا يرون بلبن الفحل بأسًا حتَّى أتاهم الحكم بن عُتَيبة بخبر أبي القُعَيس (٣). يعني: فتركوا قولهم


(١) برقم (٥١٠١). وأخرجه مسلم (١٤٤٩).
(٢) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «لخلاف».
(٣) ذكره ابن حزم في «المحلى» (١٠/ ٤) من طريق أبي عبيد.